الأحكام السلطانية
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
مكان النشر
لبنان
نَظَرَ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يصح فيه الاشتراك كَانَ تَقْلِيدُهُ الثَّانِيَ عَزْلًا لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ رُوعِيَ الْعُرْفُ الْجَارِي فيه، فإن لم يجز بالاشتراك فِيهِ كَانَ تَقْلِيدُهُ الثَّانِيَ عَزْلًا لِلْأَوَّلِ. وَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ تَقْلِيدُ الثَّانِي عَزْلًا لِلْأَوَّلِ وَكَانَا عَامِلَيْنِ عَلَيْهِ وَنَاظِرَيْنِ فِيهِ. فَإِنْ قُلِّدَ عَلَيْهِ مُشْرِفٌ كَانَ الْعَامِلُ مُبَاشِرًا لِلْعَمَلِ وَكَانَ الْمُشْرِفُ مُسْتَوْفِيًا لَهُ، يَمْنَعُ من زيادة عليه أو نقصان فيه، أو تفرد به. وحكم المشرف مخالف لحكم صَاحِبِ الْبَرِيدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ دُونَ الْمُشْرِفِ وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ دُونَ صَاحِبِ الْبَرِيدِ. وَالثَّانِي: أَنَّ لِلْمُشْرِفِ مَنْعَ الْعَامِلِ مِمَّا أَفْسَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبَرِيدِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ المشرف لا يلزمه الْإِخْبَارُ بِمَا فَعَلَهُ الْعَامِلُ مِنْ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ إذا انتهى عنه، ويلزم صاحب البريد أن يخبر بما فعله مِنْ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، لِأَنَّ خَبَرَ الْمُشْرِفِ اسْتِعْدَاءٌ وَخَبَرَ صَاحِبِ الْبَرِيدِ إنْهَاءٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ خَبَرِ الْإِنْهَاءِ وَخَبَرِ الِاسْتِعْدَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ خَبَرَ الْإِنْهَاءِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ، وَخَبَرَ الاستعداء يختص بِالْفَاسِدِ دُونَ الصَّحِيحِ. وَالثَّانِي: أَنَّ خَبَرَ الْإِنْهَاءِ فِيمَا رَجَعَ عَنْهُ الْعَامِلُ وَفِيمَا لَمْ يَرْجِعْ عنه، وخبر الاستعداء يختص بِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، دُونَ مَا رَجَعَ عَنْهُ. وَإِذَا أَنْكَرَ الْعَامِلُ اسْتِعْدَاءَ الْمُشْرِفِ أَوْ إنْهَاءَ صَاحِبِ الْبَرِيدِ، لَمْ يَكُنْ قَوْلُ وَاحِدٍ منهما مقبولا عليه حتى يبرهن عليه. فإن اجتمعا على الاستعداء والإنهاء صارا شاهدين فيقبل قولهما عليه إذا كانا مأمونين لم يظهر بينهم عداوة أو خصام. وَإِذَا طُولِبَ الْعَامِلُ بِرَفْعِ الْحِسَابِ فِيمَا تَوَلَّاهُ، لَزِمَهُ رَفْعُهُ فِي عِمَالَةِ الْخَرَاجِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَفْعُهُ فِي عِمَالَةِ الْعُشْرِ، لِأَنَّ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَمَصْرِفَ الْعُشْرِ إلَى أَهْلِ الصدقات.
وعند أبي حنيفة: رفع الْحِسَابِ فِي الْمَالَيْنِ لِاشْتِرَاكِ مَصْرِفِهِمَا عِنْدَهُ. وَإِذَا ادَّعَى عَامِلُ الْعُشْرِ صَرْفَ الْعُشْرِ فِي مُسْتَحَقِّهِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ. وَلَوْ ادَّعَى عَامِلُ الْخَرَاجِ دَفْعَ الْخَرَاجِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِتَصْدِيقٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ. وَإِذَا أَرَادَ الْعَامِلُ أن يستخلف على عمله فذلك على ضربين: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِ مَنْ يَنْفَرِدُ بِالنَّظَرِ فيه دونه، فهذا غير جائز، لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِبْدَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ غَيْرَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ جَازَ لَهُ عَزْلُ نفسه. والثاني: أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِ مُعِينًا لَهُ فَيُرَاعَى مَخْرَجُ التقليد، فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
1 / 250