اجتهدوا في معرفة كتابه، وسُنة نبيه ﷺ، حتى رَسَخُوا في العلم، وصاروا أَئِمَّةً يَهدُون بأمره، ويُبَيِّنون ما يُشْكِل على غيرهم من أحكام القرآنِ وتفسِيرِه.
وقد صَنَّف غَيرُ واحدٍ من المُتَقَدِّمينَ، والمُتَأخِّرين في تفسير القرآن ومَعَانِيه، وإعْرَابه ومَبَانِيه، وذَكَر كُلُّ واحدٍ منهم في أحكامه ما بَلَغه عِلْمُه، وربما يُوافِقُ قَوْلُه قَوْلَنا، وربما يُخَالِفُه؛ فَرأيتُ مَن دَلَّت الدلالة على صِحَّة قوله، أبا عبدِ اللهِ محمدَ بنَ إدرِيس الشَّافِعيَّ المُطَّلِبيَّ ابنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ (^١) ... رَسُولِ اللهِ ﷺ وعلى آله، قد أتى على بيان ما يجبُ علينا مَعرِفَتَه مِن أحكام القرآن.
وكان ذلك مُفَرَّقًا في كُتُبِه المُصَنَّفة في الأُصُول والأَحْكَام، فَمَيَّزتُه وجَمَعْتُه في هذه الأجزاء على ترتيب (^٢) المُخْتَصَر (^٣)، ليكونَ طلبُ ذلك منه على مَن أراد أَيْسَر، واقْتَصَرتُ في حكاية كلامِهِ على ما يَتَبَيَّن منه المُراد دونَ الإطْنَاب، ونَقَلْتُ مِن كَلامِه في أصولِ الفِقْه، واسْتِشْهَادِه بالآياتِ التي احتاج إليها مِنَ الكِتَاب، على غَاية الاخْتِصَار، ما يليق بهذا الكتاب.
وأنا أسألُ اللهَ البَارَّ الرَّحيمَ، أَنْ يَنْفَعَنِي والنَّاظِرين فيه بما أَوْدَعْتُه، وأن يحسن جزاءَ مَن اقتدينا به فيما نَقَلتُه، فقد بالغ في الشرح والبيانِ، وأدَّى النصيحةَ في التقريب والبَيان، ونَبَّه على جهةِ الصَّوابِ والبُرهان، حتى أَصْبَح مَن اقتَدَى به على ثِقَةٍ مِن دِين رَبِّه، ويَقِينٍ مِن صحةِ مَذْهَبه.
_________
(^١) قوله: (محمد) ليس في «م».
(^٢) في «د» (تركيب).
(^٣) يعني: مختصر المزني.
1 / 60