أحكام القرآن لابن العربي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَخْصِيصِ هَذَا الْعُمُومِ فِي الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا تَخْصِيصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَهُ مَالِكٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَخْصُوصٌ فِي الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يُخَصَّصْ، وَأَنَّ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ لَحْمٌ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ الْعِيَانُ الَّذِي لَا يُعَارِضُهُ بَيَانٌ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى بُرْهَانٍ.
[مَسْأَلَةُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ [البقرة: ١٧٣].
اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ [لَحْمَ] الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ.
وَالْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ اللَّحْمِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ يُذْبَحُ لِلْقَصْدِ إلَى لَحْمِهِ، وَقَدْ شَغَفَتْ الْمُبْتَدَعَةُ بِأَنْ تَقُولَ: فَمَا بَالُ شَحْمِهِ، بِأَيِّ شَيْءٍ حُرِّمَ؟ وَهُمْ أَعَاجِمُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ لَحْمًا فَقَدْ قَالَ شَحْمًا، وَمَنْ قَالَ شَحْمًا فَلَمْ يَقُلْ لَحْمًا؛ إذْ كُلُّ شَحْمٍ لَحْمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ لَحْمٍ شَحْمًا مِنْ جِهَةِ اخْتِصَاصِ اللَّفْظِ؛ وَهُوَ لَحْمٌ مِنْ جِهَةِ حَقِيقَةِ اللَّحْمِيَّةِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ حَمْدٍ شُكْرٌ، وَلَيْسَ كُلُّ شُكْرٍ حَمْدًا مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ النِّعَمِ، وَهُوَ حَمْدٌ مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ فَضَائِلِ الْمُنْعِمِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَجَاسَتِهِ: فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ نَجِسٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ حَيَوَانٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُ هِيَ الْحَيَاةُ.
وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ مَسَائِلِ الْخِلَافِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَبَيَّنَّاهُ طَرْدًا وَعَكْسًا، وَحَقَّقْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْإِحَالَةِ [وَالْمُلَاءَمَةِ] وَالْمُنَاسَبَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ وَمَنْ
1 / 80