أحكام القرآن لابن العربي

أبو بكر ابن العربي ت. 543 هجري
31

أحكام القرآن لابن العربي

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

وَيُقَبِّحُ، وَهُوَ جَهْلٌ عَظِيمٌ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ وَهِيَ أَقْضَى الْقُضَاةِ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَتَرَهَا مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ سَتَرَهَا عَادَةً. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ سَتَرَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ، فَذَلِكَ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ ﵇ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاءَ وَعَرَّفَهُ الْأَحْكَامَ فِيهَا، وَأَسْجَلَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مِمَّنْ سَتَرَهَا؟ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا أَهْلُهُ الَّذِينَ يَنْكَشِفُ عَلَيْهِمْ وَيَنْكَشِفُونَ عَلَيْهِ. ؟ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ وُجُوبَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَحْكَامِهَا [وَمَحَلِّهَا]، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ آدَم سَتَرَهَا مِنْ زَوْجِهِ بِأَمْرٍ جَازِمٍ فِي شَرْعِهِ، أَوْ بِأَمْرِ نَدْبٍ، كَمَا هُوَ عِنْدَنَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا رَأَى سَتْرَهَا إلَّا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى كَشْفِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ شَرْعِهِ أَنَّهُ لَا يَكْشِفُهَا إلَّا لِلْحَاجَةِ. وَيَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِسَتْرِهَا فِي الْخَلْوَةِ، «وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِسَتْرِهَا فِي الْخَلْوَةِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ». وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ آدَمَ لَمْ يَأْتِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ لَا بِمُجَرَّدِ عَقْلٍ، إذْ قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ اقْتِضَاءِ الْعَقْلِ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ.

1 / 33