أحكام القرآن لابن العربي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ حِنْطَةً، وَإِنَّمَا أَكَلَ خُبْزًا، فَرَاعَى الِاسْمَ وَالصِّفَةَ.
وَلَوْ قَالَ فِي يَمِينِهِ: لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَحَنِثَ بِأَكْلِ الْخُبْزِ الْمَعْمُولِ مِنْهَا.
وَأَمَّا حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَوْضِعِهَا، فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ هَاهُنَا فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥] فَقَرَنَ النَّهْيَ بِالْوَعِيدِ؛ وَلَا خِلَافَ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ.
وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ لَا تَأْكُلْهَا فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ، وَيَرْجُو أَنْ يَكُونَ مِنْ الْخَالِدِينَ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ أَكَلَهَا نَاسِيًا فَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ طَه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
التَّنْقِيحُ: أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ آدَمَ أَكَلَهَا سَكْرَانَ فَفَاسِدٌ نَقْلًا وَعَقْلًا: أَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّ هَذَا لَمْ يَصِحَّ بِحَالٍ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ الشَّجَرَةَ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا الْكَرْمُ "، فَكَيْفَ يُنْهَى عَنْهَا وَيُوقِعُهُ الشَّيْطَانُ فِيهَا، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ خَمْرَ الْجَنَّةِ بِأَنَّهَا لَا غَوْلٌ فِيهَا، فَكَيْفَ تُوصَفُ بِغَيْرِ صِفَتِهَا الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَنْهَا فِي الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الْعَقْلُ؛ فَلِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ مُنَزَّهُونَ عَمَّا يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ بِالْفَرَائِضِ وَاقْتِحَامِ الْجَرَائِمِ.
وَأَمَّا سَائِرُ التَّوْجِيهَاتِ فَمُحْتَمَلَةٌ، وَأَظْهَرُهَا الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ]
ِ﴾ [الأعراف: ٢٢]
1 / 31