أحكام القرآن لابن العربي
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
[الْآيَة التَّاسِعَة وَالسِّتُّونَ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ]
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ [البقرة: ٢٣١]
فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى: بَلَغْنَ: مَعْنَاهُ قَارَبْنَ الْبُلُوغَ؛ لِأَنَّ مَنْ بَلَغَ أَجَلَهُ بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَانْقَطَعَتْ رَجْعَتُهُ؛ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جُعِلَ لَفْظُ بَلَغَ بِمَعْنَى قَارَبَ، كَمَا يُقَالُ: إذَا بَلَغْت مَكَّةَ فَاغْتَسِلْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٣١]: هُوَ الرَّجْعَةُ مَعَ الْمَعْرُوفِ مُحَافَظَةً عَلَى حُدُودِ اللَّهِ ﵎ فِي الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ.
[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٣١]: يَعْنِي طَلِّقُوهُنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّصْرِيحِ فِي الطَّلَاقِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: طَلَاقٌ، وَسَرَاحٌ، وَفِرَاقٌ. وَفَائِدَتُهَا عِنْدَهُ أَنَّهَا لَا تُفْتَقَرُ إلَى النِّيَّةِ؛ بَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِذَكَرِهَا مُجَرَّدَةً عَنْ النِّيَّةِ.
وَعِنْدَنَا أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ الَّذِي لَا يُفْتَقَرُ إلَى النِّيَّةِ نَيَّفَ عَلَى عَشَرَةِ أَلْفَاظٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِيُبَيِّنَ بِهَا عَدَدَ الصَّرِيحِ؛ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ لِبَيَانِ أَحْكَامٍ عُلِّقَتْ عَلَى الطَّلَاقِ، فَلَا تُسْتَفَادُ مِنْهُ، مَا لَمْ يَذْكُرْ لِأَجَلِهِ وَلَا فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ هَاهُنَا: ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣١] صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٣١] أَيْ أَرْجِعُوهُنَّ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمَعْنَى ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣١] أَيْ اُتْرُكُوا الِارْتِجَاعَ، فَسَتُسَرَّحُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
1 / 269