263

أحكام القرآن لابن العربي

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

الثَّانِي: أَنَّهَا الطَّاعَةُ، يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يُطِيعُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يُطِيعُ صَاحِبَهُ فِي اللَّهِ فَلَا خَيْرَ لَهُمَا فِي الِاجْتِمَاعِ، وَبِهِ أَقُولُ.
[مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ بِجَمِيعِ مَا أَعْطَاهَا]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَالَ مَالِكٌ: الْمُبَارِئَةُ الْمُخَالِعَةُ بِمَالِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْمُخَالِعَةُ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَالْمُفْتَدِيَةُ الْمُخَالِعَةُ بِبَعْضِ مَالِهَا، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ يَدْخُلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ؛ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ بِالْبَعْضِ مِنْ مَالِهَا، وَبِالْكُلِّ بِأَنْ تَزِيدَهُ عَلَى مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا الْمُخْتَصُّ بِهَا مَا شَاءَتْ إذَا كَانَ الضَّرَرُ مِنْ جِهَتِهَا.
وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ، وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْخُلْعِ بِجَمِيعِ مَا أَعْطَاهَا، وَعُمُومُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] فَكُلُّ مَا كَانَ فِدَاءً فَجَائِزٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلا تَعْتَدُوهَا﴾ [البقرة: ٢٢٩] بَيَّنَ تَعَالَى أَحْكَامَ النِّكَاحِ وَالْفِرَاقِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودِي الَّتِي أَمَرْت بِامْتِثَالِهَا فَلَا تَعْتَدُوهَا، كَمَا بَيَّنَ تَحْرِيمَاتِ الصِّيَامِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ حُدُودِي فَلَا تَقْرَبُوهَا، فَقَسَّمَ الْحُدُودَ قِسْمَيْنِ: مِنْهَا حُدُودُ الْأَمْرِ بِالِامْتِثَالِ، وَحُدُودُ النَّهْيِ بِالِاجْتِنَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: احْتَجَّ مَشْيَخَةُ خُرَاسَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ يَلْحَقَهَا الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]
قَالُوا: فَشَرَعَ اللَّهُ ﷾ صَرِيحَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْمُفَادَاةِ بِالطَّلَاقِ؛ وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ تَعْقِيبٍ.

1 / 265