أحكام القرآن لابن العربي

أبو بكر ابن العربي ت. 543 هجري
145

أحكام القرآن لابن العربي

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ مَعَ وُلَاةِ الْجَوْرِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي زَمَانِهِ عُدُولٌ وَجَائِرُونَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُؤْثِرٌ لِلْحَجِّ مُوَاظِبٌ عَلَيْهِ. [مَسْأَلَةٌ سُقُوط فَرْضُ الدَّعْوَةِ] الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَمَّا أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو عَشَرَةَ أَعْوَامٍ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَامًا أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي مُدَّةِ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ تَعَيَّنَ الْقِتَالُ بَعْدَ ذَلِكَ، سَقَطَ فَرْضُ الدَّعْوَةِ إلَّا عَلَى الَّذِينَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ، وَبَقِيَتْ مُسْتَحَبَّةً. فَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ بَلَغَتْ الدَّعْوَةُ وَعَمَّتْ، وَظَهَرَ الْعِنَادُ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْبَابَ لَا يَنْقَطِعُ. رَوَى مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «اُدْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَإِنْ أَجَابُوك إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ»، فَذَكَرَ الدُّعَاءَ إلَى الشَّهَادَةِ، ثُمَّ إلَى الْهِجْرَةِ أَوْ إلَى الْجِزْيَةِ، وَهَذَا إنَّمَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْفَتْحِ. وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُمْ غَارُّونَ فَقَتَلَ وَسَبَى، فَعَلَّمَ ﷺ الْجَائِزَ وَالْمُسْتَحَبَّ. [مَسْأَلَةٌ مفاد قَوْله تَعَالَى وَلَا تَعْتَدُوا] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٩٠]: فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لَا تَقْتُلُوا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦] وَ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]. الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٩٠] أَيْ لَا تُقَاتِلُوا عَلَى غَيْرِ الدِّينِ، كَمَا

1 / 147