378

أحكام القرآن

محقق

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

الناشر

دار إحياء التراث العربي

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التفسير
الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْمَعْهُودِ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ تَقْدِيرُ الْآيَةِ مَعَ الْخَبَرِ الْحَجُّ الَّذِي هُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ وَيَكُونُ فَائِدَةُ ذِكْرِ الْأَشْهُرِ مَا قَدَّمْنَا وَأَيْضًا لَوْ صَحَّ إرَادَةُ الْوَقْتِ لِلْإِحْرَامِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْهُرِ عَلَى النَّدْبِ وَقَوْلُهُ [مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ] عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يُوَفَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ حَظَّهُ مِنْ الْفَائِدَةِ وَقِسْطَهُ مِنْ الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِحْرَامَ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمه عَلَى وَقْتِهِ وَيَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ] وقوله [أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ الَّتِي فِيهَا تَوْقِيتُ الْعِبَادَاتِ قِيلَ لَهُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ] لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ وَفِيهِ ضَمِيرٌ يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِهِ إلَى دَلَالَةٍ مِنْ غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَوَازَ الْحَجِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَضِيلَةُ الْحَجِّ فَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى أن المراد بالتوقيت المذكور فيه لماذا هُوَ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال عَلَى تَوْقِيتِ الْإِحْرَامِ بِالْأَشْهُرِ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ فِيهَا عَلَى الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْإِيجَابُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ لِغَيْرِهَا بِقَوْلِهِ [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ] وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ الْأَوَامِرِ الْمُوَقَّتَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّا سَلَّمْنَا لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ لَمْ تَلْزَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلِ أَنَّ تَقْدِيمَ إحْرَامِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا إنَّمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ حَيْثُ اتَّصَلَتْ فُرُوضُهَا وَأَرْكَانُهَا بِالْإِحْرَامِ وَسَائِرُ فُرُوضِهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ مُتَرَاخِيَةً عَنْ تَحْرِيمَتِهَا فَلِذَلِكَ كَانَ حُكْمُ تَحْرِيمَتِهَا حُكْمُ سَائِرِ أَفْعَالِهَا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازُ إحْرَامِ الْحَجِّ فِي وَقْتٍ يَتَرَاخَى عَنْهُ سَائِرُ أَفْعَالِهِ وَغَيْرُ جَائِزٍ شَيْءٌ مِنْ فُرُوضِهِ عَقِيبَ إحْرَامِهِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ كَوْنَهُ مَنْهِيَّا عَنْ فِعْلِ الْإِحْرَامِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ لُزُومِهِ وَكَوْنَ الصَّلَاةِ مَنْهِيَّا عَنْهَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدُّخُولِ فِيهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ من تحرم بالصلوة مُحْدِثًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ عَامِدًا أَوْ عَارِيًّا وَهُوَ يَجِدُ ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ دُخُولُهُ فِيهَا وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَهُوَ مُخَالِطٌ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لَابِسٌ ثِيَابًا كَانَ إحْرَامُهُ وَاقِعًا وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ مَعَ مُقَارَنَةِ مَا يُفْسِدُهُ فَلَمْ يَجُزْ اعتبار أحكام إحرام الحج بالصلوة وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ تَرْكَ بَعْضِ فُرُوضِ الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا مِثْلُ الْحَدَثِ وَالْكَلَامِ وَالْمَشْيِ وَمَا جرى مجرى ذَلِكَ وَتَرْكُ بَعْضِ فُرُوضِ الْإِحْرَامِ لَا يُفْسِدُهُ لِأَنَّهُ لَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ اصْطَادَ لَمْ يُفْسِدُهُ مَعَ كَوْنِ تَرْكِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَرْضًا فِيهِ وَأَيْضًا وَجَدْنَا مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ ما يفعل بعد أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَكُونُ مَفْعُولًا فِي وَقْتِهِ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا مِنْ

1 / 380