أحكام القرآن
محقق
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
الناشر
دار إحياء التراث العربي
مكان النشر
بيروت
تصانيف
التفسير
لا تَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ الصَّائِمُ أَمِينُ نَفْسِهِ وَالصَّائِمُ بِالْخِيَارِ جَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ أَصْبَحَ مُمْسِكًا عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلصَّوْمِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أن ينوى صوم التطوع أو يفطر والمسك عما يمسك عنه الصائم يمسي صائما كما
قال ﷺ يَوْمُ عَاشُورَاءَ (مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ)
وَمُرَادُهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ كَذَلِكَ
قَوْلُهُ (الصَّائِم بِالْخِيَارِ وَالصَّائِمُ أَمِينُ نَفْسِهِ)
هُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ ألفاظ هذا الحديث فَإِنْ شِئْتِ فَاقْضِي وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَقْضِي فَإِنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ مِنْ الرَّاوِي لِقَوْلِهِ لَا يَضُرُّكِ وَإِنْ شِئْتِ فَأَفْطِرِي وَالصَّائِمُ بِالْخِيَارِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ نَفْيُ الْقَضَاءِ بِمَا ذَكَرْتُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ نَفْيُ إيجَابِ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالِ التَّأْوِيلِ مَعَ صِحَّةِ السَّنَدِ وَاتِّسَاقِ الْمَتْنِ لَكَانَتْ الْأَخْبَارُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَضَاءِ أَوْلَى مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَتَى وَرَدَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا مُبِيحٌ وَالْآخَرُ حَاظِرٌ كَانَ خَبَرُ الْحَظْرِ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ وَخَبَرُنَا حَاظِرٌ لِتَرْكِ الْقَضَاءِ وَخَبَرُهُمْ مُبِيحٌ فَكَانَ خَبَرُنَا أَوْلَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْخَبَرَ النَّافِيَ لِلْقَضَاءِ وَارِدٌ عَلَى الْأَصْلِ وَالْخَبَرَ الْمُوجِبَ لَهُ نَاقِلٌ عَنْهُ وَالْخَبَرَ النَّاقِلَ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى وَارِدٌ بَعْدَهُ كَأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ تَارِيخُهُ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْعِقَابُ وَفِعْلَ الْمُبَاحِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الْعِقَابُ فَكَانَ اسْتِعْمَالُ خَبَرِ الْوُجُوبِ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ النَّفْيِ وَمِمَّا يُعَارِضُ خَبَرَ أُمِّ هَانِئٍ فِي إبَاحَةِ الْإِفْطَارِ مَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أبو داود قال حدثنا عبد الله ابن سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ) قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ
أَيْضًا
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أبى الزناد عن الأعراج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ)
فَهَذَانِ خَبَرَانِ يَحْظُرَانِ عَلَى الصَّائِمِ الْإِفْطَارَ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ وَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ الصَّائِمِ تَطَوُّعًا أَوْ مِنْ فَرْضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ وَالصَّلَاةُ تُنَافِي الْإِفْطَارَ وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْمُفْطِرِ وَالصَّائِمِ فَلَوْ جَازَ لِلصَّائِمِ الْإِفْطَارُ لَقَالَ فَلْيَأْكُلْ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا أَرَادَ بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءَ وَالدُّعَاءُ لَا يُنَافِي الْأَكْلَ قِيلَ لَهُ بَلْ هُوَ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهِيَ الَّتِي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَصَرْفُهُ إلَى الدُّعَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا بِدَلَالَةٍ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الدُّعَاءَ
1 / 297