أحكام القرآن

الجصاص ت. 370 هجري
27

أحكام القرآن

محقق

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

الناشر

دار إحياء التراث العربي

مكان النشر

بيروت

إلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِلَى الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَكِتَابِهِ وَجَعَلَ هَذَا الْإِنْفَاقَ مِنْ شَرَائِط التَّقْوَى وَمِنْ أَوْصَافِهَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَفْرُوضُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ إذَا أُطْلِقَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَصْفٍ أَوْ شَرْطٍ يَقْتَضِي الصَّلَوَاتِ الْمَعْهُودَةَ الْمَفْرُوضَةَ كَقَوْلِهِ [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ] و[حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى] وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَمَّا أَرَادَ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْفَاقِ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَلَمَّا مَدَحَ هَؤُلَاءِ بِالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الرِّزْقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُبَاحَ مِنْهُ دُونَ الْمَحْظُورِ وَأَنَّ مَا اغْتَصَبَهُ وَظَلَمَ فِيهِ غَيْرَهُ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رِزْقًا لَهُ لَجَازَ إنْفَاقُهُ وَإِخْرَاجُهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْغَاصِبَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِمَا اغْتَصَبَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ﵇ (لَا تُقْبَلُ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ) وَالرِّزْقُ الْحَظُّ فِي اللُّغَةِ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى [وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ] أَيْ حَظَّكُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ التَّكْذِيبَ بِهِ وَحَظُّ الرَّجُلِ هُوَ نَصِيبُهُ وَمَا هُوَ خَالِصٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ مَا مَنَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ وَهُوَ الْمُبَاحُ الطَّيِّبُ وَلِلرِّزْقِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَقْوَاتِ الْحَيَوَانِ فَجَائِزٌ إضَافَةُ ذَلِكَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ قُوتًا وَغِذَاءً وقَوْله تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ وَإِخْبَارُهُ عَنْهُمْ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ عَقِيدَةٍ وَإِظْهَارِ الْكُفْرِ لِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الشَّيَاطِينِ فِي قَوْلِهِ [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ] وَقَوْلِهِ [يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ] إلَى قَوْلِهِ [وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ] يُحْتَجُّ بِهِ فِي اسْتِتَابَةِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي اُطُّلِعَ مِنْهُ عَلَى إسْرَارِ الْكُفْرِ مَتَى أَظْهَرَ الْإِيمَانَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يؤمر بِقَتْلِهِمْ وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﵇ بِقَبُولِ ظَاهِرِهِمْ دُونِ مَا عَلِمَهُ هُوَ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَفَسَادِ اعْتِقَادِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْدَ فَرْضِ الْقِتَالِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ بَعْد الْهِجْرَةِ وَلِهَذِهِ الْآيَةِ نَظَائِرُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ وَسُورَةِ مُحَمَّدٍ ﵇ وَغَيْرِهِمَا فِي ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ وَقَبُولِ ظَاهِرِهِمْ دُونَ حَمْلِهِمْ عَلَى أَحْكَام سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ وَإِذَا انْتَهَيْنَا إلَى مَوَاضِعِهَا ذَكَرْنَا أَحْكَامَهَا وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِي الزِّنْدِيقِ وَاحْتِجَاجَ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَا فِي ذَلِكَ وَهُوَ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ ﵇ (أمرت أن

1 / 29