261

أحكام القرآن

محقق

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

الناشر

دار إحياء التراث العربي

مكان النشر

بيروت

فَإِنَّمَا يَخْتَصُّ وُجُوبُهَا بِمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَمَنْ مَاتَ مُفَرِّطًا قَبْلَ أن يقضى فأما اجْتِمَاعُ الْفِدْيَةِ وَالْقَضَاءِ فَمُمْتَنِعٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ في هذا أظهر في إيجابه الفدية دُونَ الْقَضَاءِ مِنْ مَذْهَبِ مَنْ جَمَعَهُمَا وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهُ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْفِدْيَةَ عِنْدَ ذِكْرِ التَّفْرِيقِ وَلَوْ كَانَ تَأْخِيرُهُ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ لَبَيَّنَهُ ﷺ وَالثَّانِي تَشْبِيهُهُ إيَّاهُ بِالدَّيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَأْخِيرَ الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْئًا غَيْرَ قَضَائِهِ فَكَذَلِكَ مَا شَبَّهَهُ بِهِ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ تَأْخِيرِهِ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ وَجَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُفَرِّطًا بِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِالتَّفْرِيطِ قِيلَ لَهُ إنَّ التَّفْرِيطَ لَا يلزمه الفدية وإنما الَّذِي يُلْزِمُهُ الْفِدْيَةَ فَوَاتُ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِمْكَانِ بِالْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا كَانَ مُفَرِّطًا وَإِذَا قَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ الْجَمِيعِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُصُولَ التَّفْرِيطِ مِنْهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِإِيجَابِ الْفِدْيَةِ وَحَكَى عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْقُمِّيُّ أَنَّ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيَّ قَالَ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا
مِنْ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ أَنْ يَصُومَ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ فَإِنْ تَرَكَ صِيَامَهُ فَقَدْ أَثِمَ وَفَرَّطَ فَخَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ اتِّفَاقِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعًا وَعَنْ ظَاهِرِ قوله تعالى [فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ] وقوله [وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ] وَخَالَفَ السُّنَنَ الَّتِي رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ قَالَ عَلِيُّ بن موسى سألته يوما فَقُلْتُ لَهُ لِمَ قُلْتَ ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَصُمْ الْيَوْمَ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ فَمَاتَ فَكُلُّ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إنَّهُ آثِمٌ مُفَرِّطٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَسَّعًا لَهُ أَنْ يَصُومَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَزِمَهُ التَّفْرِيطُ إنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَوَجَدَ رَقَبَةً تُبَاعُ بِثَمَنٍ مُوَافِقٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهَا وَيَشْتَرِيَ غَيْرَهَا فَقَالَ لَا فَقُلْتُ لِمَ قَالَ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقْ أَوَّلَ رَقَبَةٍ يَجِدُهَا فَإِذَا وَجَدَ رقبة لزمه الفرض فيها وإذا لزمه الفرض فِي أَوَّلِ رَقَبَةٍ لَمْ يُجِزْهُ غَيْرُهَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لَهَا فَقُلْتُ فَإِنَّ اشْتَرَى رَقَبَةً غيرها فأعتقها وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْأُولَى فَقَالَ لَا يُجْزِيهِ ذَلِكَ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ رَقَبَةٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ هَلْ يُجْزِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا قَالَ لَا فَقُلْتُ لِأَنَّ الْعِتْقَ صَارَ عَلَيْهِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ فَمَا تَقُولُ إنْ مَاتَتْ هَلْ يَبْطُلُ عَنْهُ الْعِتْقُ كَمَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا فَمَاتَتْ يَبْطُلُ نَذْرُهُ فَقَالَ لَا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ

1 / 263