194

أحكام القرآن

محقق

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

الناشر

دار إحياء التراث العربي

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التفسير
فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهَ عَلَى التَّرَاضِي عَنْ الصُّلْحِ عَلَى مَالٍ فَفِيهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ غَيْرِهِ إذْ لَيْسَ لِلْعَاقِلَةِ ذِكْرٌ فِي الْآيَةِ وَإِنَّمَا فِيهَا ذِكْرُ الْوَلِيِّ وَالْقَاتِلِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَطِيبُ قَالَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حدثنا شريك عن جابر ابن عَامِرٍ قَالَ اصْطَلَحَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ لَا يَعْقِلُوا عَبْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي قِصَّةِ قَتَادَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُدْلِجِيِّ الَّذِي قَتَلَ ابْنَهُ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَلَيْهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَاهَا إخْوَتَهُ وَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْهَا شَيْئًا فَجَعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لَمَّا كَانَ عَمْدًا وَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ وَلَمْ يُخَالِفْ عُمَرَ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ مَا دُونَهَا إذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ فِي عَمْدٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ الْخَطَأُ وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا مَا كَانَ مِنْ صُلْحٍ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَشِيرَةُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَقَالَ قَتَادَةُ كُلُّ شَيْءٍ لَا يُقَادُ مِنْهُ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ صُلْحًا وَلَا عَمْدًا ولا اعترافا
وقوله تَعَالَى [وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يَا أُولِي الْأَلْبابِ] فِيهِ إخْبَارٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ حَيَاةً لِلنَّاسِ وَسَبَبًا لِبَقَائِهِمْ لِأَنَّ مَنْ قَصَدَ قَتْلَ إنْسَانٍ رَدَّهُ عَنْ ذَلِكَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عُمُومًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسْلِمِ والذمي إذ كان الله تعالى مريد التبقية الْجَمِيعِ فَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ مَوْجُودَةٌ فِي هَؤُلَاءِ فَوَجَبَ اسْتِوَاءُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِهِمْ وَتَخْصِيصُهُ لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِالْمُخَاطَبَةِ غَيْرُ نَافٍ مُسَاوَاةَ غَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ إذْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي حُكِمَ مِنْ أَجْلِهِ فِي ذَوِي الْأَلْبَابِ مَوْجُودًا فِي غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا وَجْهُ تَخْصِيصِهِ لَهُمْ أَنَّ ذَوِي الْأَلْبَابِ هُمْ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِمَا يُخَاطَبُونَ بِهِ وَيَنْتَهُونَ إلَى مَا يُؤْمَرُونَ به ويزدجرون عما يزجرون عنه وهكذا كَقَوْلِهِ تَعَالَى [إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها] وهو مُنْذِرٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى [إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ] ونحو قوله [هُدىً لِلْمُتَّقِينَ] وَهُوَ هُدًى لِلْجَمِيعِ وَخَصَّ الْمُتَّقِينَ لِانْتِفَاعِهِمْ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى [شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ] فَعَمَّ الْجَمِيعَ بِهِ وَكَقَوْلِهِ [قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا]
لِأَنَّ التَّقِيَّ هُوَ الَّذِي يُعِيذُ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ

1 / 196