74

أحكام الصيام

محقق

محمد عبد القادر عطا

الناشر

دار الكتب العلمية

سنة النشر

١٤٠٦ هجري

مكان النشر

بيروت

فالضابط أن مدار هذا الأمر على البلوغ لقوله «صوموا لرؤيته»، فمن بلغه أنه رؤي ثبت في حقه من غير تحديد بمسافة أصلاً، وهذا يطابق ما ذكره ابن عبد البر، في أن طرفي المعمورة لا يبلغ الخبر فيهما إلا بعد شهر فلا فائدة فيه، بخلاف الأماكن التي يصل الخبر فيها قبل انسلاخ الشهر، فإنها محل الاعتبار. فتدبر هذه المسائل الأربعة: وجوب الصوم، والإمساك، ووجوب القضاء، ووجوب بناء العيد على تلك الرؤية، ورؤية البعيد، والبلاغ في وقت بعد انقضاء العبادة.

ولهذا قالوا: إذا أخطأ الناس كلهم فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم اعتباراً بالبلوغ، وإذا أخطأه طائفة منهم لم يجزهم لإمكان البلوغ، فالبلوغ هو المعتبر، سواء كان علم به للبعد، أو للقلة، وهذا الذي ذكرته هو الذي ذكره أصحابنا إلا وجوب القضاء إذا لم يكن مما يمكنهم فيه بلوغ الخبر.

والحجة فيه أنا نعلم بيقين أنه ما زال في عهد الصحابة والتابعين يرى الهلال في بعض أمصار المسلمين، بعد بعض، فإن هذا من الأمور المعتادة التي لا تبديل لها، ولا بد أن يبلغهم الخبر في أثناء الشهر فلو كانوا يجب عليهم القضاء لكانت هممهم تتوفر على البحث عن رؤيته في سائر بلدان الإسلام، كتوفرها على البحث عن رؤيته في بلده، ولكان القضاء يكثر في أكثر الرمضانات. ومثل هذا لو كان لنقل، ولما لم ينقل دل على أنه لا أصل له، وحديث ابن عباس يدل على هذا.

وقد أجاب أصحابنا بأنه إنما لم يفطر، لأنه لم يثبت عنده إلا بقول واحد، فلا يفطر به، ولا يقال أصحابنا كذلك أيضاً لم ينقل أنهم كانوا إذا بلغهم الهلال في أثناء الشهر بنوا فطرهم عليه.

قلنا لأن ذلك أمر لا تتعلق الهمم بالبحث عنه، لأن فيه ترك صوم يوم، فإن ثبت عندهم، وإلا فالاحتياط الصوم؛ لأن ذاك الخبر قد يكون ضعيفاً، مع

74