أحكام الصيام
محقق
محمد عبد القادر عطا
الناشر
دار الكتب العلمية
سنة النشر
١٤٠٦ هجري
مكان النشر
بيروت
تصانيف
فإن أموته لم تكن من جهة فقد العلم والقراءة عن ظهر قلب، فإنه إمام الأئمة في هذا. وإنما كان من جهة أنه لا يكتب ولا يقرأ مكتوباً.
كما قال الله فيه:
﴿وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك﴾ (٣٣).
وقد اختلف الناس هل كتب يوم الحديبية بخطه معجزة له؟ أم لم يكتب؟ وكان انتفاء الكتابة عنه مع حصول أكمل مقاصدها بالمنع من طريقها من أعظم فضائله، وأكبر معجزاته.
فإن الله علمه العلم بلا واسطة كتاب معجزة له، ولما كان قد دخل في الكتب من التحريف والتبديل، وعلم هو ﷺ أمته الكتاب والحكمة من غير حاجة منه إلى أن يكتب بيده، وأما سائر أكابر الصحابة كالخلفاء الأربعة وغيرهم فالغالب على كبارهم الكتابة لاحتياجهم إليها، إذ لم يؤت أحد منهم من الوحي ما أوتيه، صارت أميته المختصة به كمالاً في حقه من جهة الغنى بما هو أفضل منها وأكمل، ونقصاً في حق غيره من جهة فقده الفضائل التي لا تتم إلا بالكتابة.
إذا تبين هذا: فكتاب أيام الشهر، وحسابه من هذا الباب، كما قدمناه، فإن من كتب مسير الشمس والقمر بحروف ((أبجد)) ونحوها وحسب كم مضى من مسيرها، ومتى يلتقيان ليلة الاستسرار، ومتى يتقابلان ليلة الإبدار، ونحو ذلك فليس في هذا الكتاب والحساب من الفائدة، إلا ضبط المواقيت التي يحتاج الناس إليها في تحديد الحوادث والأعمال، ونحو ذلك، كما فعل ذلك غيرنا من الأمم، فضبطوا مواقيتهم بالكتاب والحساب، كما يفعلونه بالجداول، أو بحروف الجمل، وكما يحسبون مسير الشمس والقمر: ويعدلون ذلك، ويقومونه بالسير الأوسط. حتى يتبين لهم وقت الاستسرار والإبدار، وغير ذلك، فبين النبي ﷺ: أنا أيتها الأمة الأمية لا نكتب هذا الكتاب، ولا نحسب هذا الحساب، فعاد كلامه إلى
(٣٣) سورة العنكبوت، آية: ٤٨.
49