فكل المخلوقات هنا تكرهني، وتنظر إلي كما لو كنت عدوها اللدود.
فقال العقعق للذئب - متظاهرا بالحزن لوقع هذا الخبر في نفسه: وإلى أين فكرت في الرحيل يا هذا؟ - إلى أين ...؟ إلى أي مكان يبعدني عن هذه الغابة البغيضة، وسأحاول أن تكون بلادا نائية، سكانها أودع من الحملان، وكلابها أجبن من الخرفان، وكل أهلها يعيشون مجتمعين على الألفة والمودة، حيث يعم السلام، فأنعم بلذة الحرية، وأستنشق هواءها المنعش، فلا أضطر إلى الاختباء نهارا، وحرمان نعمة النوم ليلا ... و...
فقال العقعق: حسنا تفعل يا صاح! ولكن قل لي بالله عليك؛ ألا تنوي الإقلاع عن وحشيتك الكريهة وخلع أنيابك الحادة قبل دخول هذه البلاد السعيدة؟!
وقال الذئب: كلا، وألف كلا! إذ كيف أستطيع أن أحيا بدونها؟
فقال العقعق: إذن ثق أنك لن تجد سلاما أينما ذهبت.
البرميل الفارغ والبرميل الملآن
سار برميلان في طريقهما من المخزن القديم إلى المخزن الجديد، يدحرج كلا منهما فتى مفتول الساعدين.
وكان أحدهما ملآن بالشراب المعتق، والآخر فارغا جافا لا شيء فيه.
فكان الأول يسير سيرا وئيدا بلا ضوضاء، أما الثاني، فلأنه كان فارغا خفيفا كان يقفز ويترجرج، ويحدث قعقعة ودويا كدوي الرعد، حتى أجفل الذين كانوا في طريقه، وجعلهم يخلونه له فزعا وخوفا، أو اجتنابا لسماع صوته المزعج.
والآن؛ ألست ترى معي يا قارئي العزيز أن عظمة البرميل الملآن قد تجلت بتؤدته ورزانته وصمته، بينما قعقعة زميله الفارغ قد فضحت أمره؟! وأن ذلك يعزز المثل القائل: «إن البراميل الفارغة أكثر جلبة من البراميل الملآنة.»
صفحة غير معروفة