ولهجت بأخبار قوتها وبطولتها كل قرية النمل، فكانت تزهو بما يغدق عليها من عبارات المدح والثناء، حتى داخلها الغرور، فصارت تختال عجبا ودلالا، وكأنها تقول للأرض: «اشتدي، فما عليك قدي»، إلى أن آل بها الأمر إلى العزم على السفر إلى المدينة العظيمة؛ لتكسب فيها شهرة جديدة، وهكذا هرولت إلى قمة حزمة من التبن، كانت موضوعة بجانب سائق المركبة الذاهبة إلى المدينة وجلست فوقها، وهكذا دخلت المدينة دخول الفاتح العظيم.
ولكن ما أقسى الصدمة التي أصابت كبرياءها، عندما رأت أن أهل المدينة لم يهرعوا إلى الطرق والميادين والساحات العمومية التي مرت بها مركبتها الفخمة؛ لكي يحظوا برؤيتها، وتكتحل عيونهم بمشاهدة ألعابها البهلوانية وشقلباتها الاستعراضية، بل كانوا يروحون ويجيئون وينكبون على أعمالهم دون أن ينظروا إليها، أو يعيروها أقل التفات، فكم وكم حاولت أن تسترعي أنظارهم بالقفز والوثب ورفع المثقلات الكبيرة الحجم دون طائل!
وأخيرا عندما أعيتها الحيل وأضناها التعب، أدارت نظرها إلى الكلب الراقد بجانب مركبة سيده، وخاطبته قائلة: يا عزيزي «فيدو»، ألست ترى مثلي أن كل سكان هذه المدينة الكبيرة مجردون من الإحساس؛ فلهم عيون ولكنها لا تبصر، وآذان لا تسمع، فقد قضيت هنا أكثر من ساعة، أنهكت فيها بدني؛ لأريهم ما أنا عليه من القوة والمهارة في الألعاب التي تسحر الألباب، فلم يلتفت إلي واحد منهم، مع أن شهرتي قد عمت «بلدتنا»، حتى أصبحت أحدوثة أهلها، قالت ذلك، وإذ لم تسمع جوابا من «فيدو»، أدارت له وللمدينة ظهرها، واتجهت نحو قريتها ...
الحمل الوديع
عثر الحمل الساذج على جلد ذئب، فخطر له أن يلعب دورا مضحكا على رفاقه، فارتدى الجلد، وانسل بين أصدقائه وإخوانه في القطيع؛ كي يداعبهم بزيه الجديد.
وقبل أن يدرك ما سببه من الذعر والهلع في الحظيرة، كانت كلاب الحرس فوقه تنشب أنيابها في جلده ولحمه كي تمزقه إربا.
ولحسن حظه أن أدركه الراعي، ورآه تحت جلد الذئب، فزجر الكلاب عنه، وأنقذه من مصير محزن كان محققا. •••
فعلى الحملان الوادعة ألا تظهر بمظهر الذئاب الكاسرة.
الغدير الصغير1
جلس الراعي المسكين عند الغدير الصغير يندب حظه العاثر؛ لأن خروفا من خرافه غرق في النهر المجاور.
صفحة غير معروفة