وما ذكر الله والعذراء حتى عاد إليه إيمانه بالخلود والحياة الأبدية، فتشدد ونسي البكاء.
ذكر أن المسيحي الصالح لا يموت بل ينتقل من وادي البكاء والدموع إلى دار النعيم حيث يتمتع برؤية الله وجها لوجه.
ثم عاودته نوبة الشك فانخرط في البكاء وقال. هل بعد الشقا بقا، ترى نعيش ليوم عيدك يا مار مارون؟ آه يا حبيب القلب، نلتقي يا ترى في الخدر السماوي؟ من يعلم؟ وبينا هو غارق في تلك الظلمة سمع صوت امرأة تناديه: اسطفان، ضيعت إيمانك بالحياة الأبدية!
فتلفت فلم تقع عينه على أحد، فقال في قلبه: مؤكد، هذي العضرا مريم، من يقول لي هذا غيرها. ثم التفت وخاطبها كأنه يراها: لا تؤاخذيني يا ستي السيدة. الآخرة مخيفة، والموت يفزع. عذري معي، ابنك يسوع بكى في البستان. أنا متكل عليك يا حبيبتي. تعبنا وشقينا حتى نرى وجهك الحلو. لا تخيبينا.
وخاف الشدياق أن يعتب عليه الله فاستوى ما استطاع مادا بصره إلى فوق وقال يناجيه بأعلى صوته: يا صاحب الخيمة العالية، يا من تعيش في النعيم، ويمجدك الكاروبيم والساروفيم، ماذا عندك للشدياق اسطفان الذي قضى حياته متبتلا؟ هل تحاسبه على كل هفوة؟ ألا تتساهل معه؟ ألا تدخله أخدارك السماوية بعد أن عاش تسعين سنة تحت مظلتك الكبرى لا يهمه إلا طاعتك.
ارحمني يا الله كعظيم رحمتك. ما أرعب ساعة الميعاد يا الله؟ قلبي يدق، أنا خائف جدا. شددني يا الله. الشيطان يجربني دائما. أينما رحت أراه حاضرا. تف له. ما أبشع وجهه، وذنبه وقرونه.
وتذكر الشدياق أنه أمسى فراح يرتل وهو ماش، الميمر السرياني: برمشو صليبوخ روشيمنو على هادوماي ... إلخ.
وكان متى ومرتا قد أضرما النار في الموقد فحمي البيت، وارتمى الشيخ ليتربع قرب النار.
شيخ منودل، ينوس كرقاص الساعة. نسي الشك والفزع حين تدفأ. ولذعته النار قليلا، فتجهم وجهه وانقبض كأنه رأى في الموقد نار جهنم. تذكر عواقبه الأربع فارتاع وانكمش. وعلا اللهيب فخال أنه يرى من خلاله شبابيك الجنة مفتوحة مضاءة، فتهلل وتذكر عليقة موسى التي اشتعلت ولم تحترق، فانحرف فكره عن نيران الجحيم. إذن في النار ذكريات طيبة للمؤمنين، فما باله وهو الرجل الصالح الذي راض نفسه على الفضائل المسيحية، يفكر هذه الأفكار السوداء؟
لا شك في أن إبليس يجربه ليقطع أمله ويتزعزع إيمانه في أخريات حياته، فصلب على وجهه مرات وخرج من جو تلك الأفكار التي خاف منها، وصاح: مرتا بخري الصورة.
صفحة غير معروفة