كان عهدي بالضيعة فرحة مرحة، إنجيلية لا تهتم للغد فإذا بوجوه الناس كابية، وابتساماتهم مغبرة؛ وقلوبهم بلا رجاء. كلهم متشائمون خائفون، لا نكت ولا نوادر. ذهبت ليالينا الكشكشية، ننتظر نكتة فنسمع آهة. وبعد صمت غير قليل قال أحدهم: كيف نعيش السنة، ما بقي غير الدخان ويا ليته لنا، تسلفنا عليه من هذا وهذاك، ومن يعلم متى تستلمه الشركة منا، وكيف تسعره؟
فأجاب آخر: استلمت عام أول في تشرين وتستلم السنة في شباط، والسنة القادمة في نوار، وبعد ثلاث أربع سنين تتركه في ذقوننا إن لم توقفها الحكومة عند حدها.
فقلت له: وكيف الأسعار؟ فأجاب: كيف يعيش الفلاح مع غلاء الطحين وسقوط الليرة والدخان!
قلت: سمعت أنهم زادوا السعر 25 بالمائة، فقال: عندهم ألف باب يخلصهم من الزيادة، وما عندنا باب واحد يخلصنا من شرهم. ما نظرت بعينك حرق الدخان في الصيف؟
فتأفف أحد المؤمنين بالقيامة العتيدة وقال: هذا آخر زمان. فاحتد آخر وقال: كيف العمل يا بشر، أيش ينفعنا الكلام في القرنة؟ فأجاب أبو طنوس، العمل عند الله، والأمل بسعي سيدنا البطرك.
فأحب أن يداعبه شاب قاعد لصقه فقال له: خبرونا أن البطرك لان، وسكت.
فلكزه أبو طنوس وقال له: اخرس يا صبي، قل سيدنا واحن رأسك. من خبرك أنه سكت، هذا كلام ناس كذابين غشاشين، سيدنا البطرك أنطون صخر أصم. فقال الشاب: والصخر لا يصعب على (النقاش).
1
وأعجبت الصبي فصاحته، وذبل أبو طنوس، فجبر أحدهم خاطره بقوله: عمي أبو طنوس أخبر منا كلنا. الجمعية
2
صفحة غير معروفة