فصاح الرجل: الله المجير من لسان النسوان. أهي بنت خمسين حتى تقول الست اسما عنها (قضت عمرها)؟ وقبل وبعد أنت كم سهر عندك من شب، كان بيتكم يفرغ ويمتلي كل ليلة عشر مرات وأخيرا كنت من نصيبي، وكنت من خير النساء.
ثم استضحك وأمسك طوقه بيده ونفضه قائلا: هذا إذا لم أكن مخدوعا.
فابتسمت الأم نصف ابتسامة واستطرد هو قائلا: كان يجب أن تفهمي يا زكية، إن جناب الست أسما كانت منتظرة ابنك. فحدقت إلى وجهه مستغربة كلامه، فحملق وكز قائلا: نا ... عم. إذا كانت هي بنت مير، فابنك دكتور وأبوه شيخ الضيعة.
وفيما هما يتناطحان زحفت المياه في صحن البيت فهبا يطاردانها. كان الشيخ أبو شاكر يسوق الماء صوب صحن الباب ويقول: هذي آخر سنة. وعد الصبي بهد البيت وبناء بيت يليق بالشيخ والدكتور.
فقالت الأم: أنا لا أطلب إلا أن يكون حظي ببنت أوادم.
فصرخ الأب: عدت إلى نغمتك الأولى ... اشطفي. اشطفي. مسحي وقولي: الله يرزق الست أسما ابن حلال مثل ابنك. •••
وراح الشتاء وجاء الصيف. أقبل العروسان على الضيعة فكانت في دار الشيخ أبي شاكر أيام وليلات جرى فيها النبيذ وسال العرق. كانت تهب من كل فنجان زوبعة دعوات للدكتور وعروسه. وكان الدكتور وأبوه يردون الكيل كيلين. أما العروس فكانت غريبة عما يدور حولها. كانت تجهل الكثير من عبارات القرية وأجوبتها، فتنبري حماتها للجواب رادة عنها هجمات من يقصدون لها امتحانا لزلاقة لسانها. كانت عين الحماة على كنتها تروزها، وكانت الكنة مسرورة سرورا يخالطه شيء من الازدراء. أدرك الدكتور ذلك فامتعض، أما أبوه المستأسد في الستين فما كان يدرك شيئا أو لا يبالي قط بما يدور حوله. ينفخ من أنف كالكير، وينظر بعيني نسر عتيق، وينطق بصوت أعرض وأحد من صوت الببغاء: شباب، كاس العريس. اشربوا. ابن كذا وكذا كل من لا يشرب. يا نسوان، كاس العروس ... كاس سعادتك يا ست أسما شرفتينا ...
فابتسمت الأميرة وشربت كاس الشيخ والعروسين فأجابها الشيخ: وطول عمر سعادتك.
كانت العروس تعجب بفتوة عمها الجبار، تهابه وإن ازدرت هندامه العتيق. تتحاشى مصافحته؛ لأن أصابعها الدقيقة تضيع في يده الرودانية.
ثم انقضى الصيف وانطوى بساط ليالي أفراحه البلدية، وعاد الطبيب وعروسه إلى المدينة ولم تبحث مشكلة الديون قط. فشاكر كان يفر بزلاقة كلما استدرجه والده إلى ذلك، فضرب الشيخ أبو شاكر لدائنيه موعدا جديدا، ولكل أجل كتاب.
صفحة غير معروفة