3
ركبت السيارة من جبيل بعد ما بدلت، ورافقها أخوها زخيا في هذه الرحلة، فما تحركت السيارة حتى رسمت مارينا على وجهها إشارة الصليب وتوكلت على الرب يسوع.
وبعد مسير مائتي متر أطل تمثال سيدة مرتين فصلبت مارينا يدها على وجهها وصلت الأبانا والسلام، ثم قالت: سفرة موفقة يا ستي السيدة، لك مني كعب زيتون في وطاعين كفاع نذر حلال زلال.
والتفتت إلى زخيا وقالت: ما قولتك يا زخيا، هل تتحنن قلوبهم هذه المرة أم يصيبنا مثل كل مرة؟
وانقطعت عن حديثها فجأة؛ لأنها واجهت هيكلا آخر هو كنيسة مار زخيا، فمار زخيا شفيع الغرقى، ومارينا غارقة في بحر هائج، فبسملت وصلت كالعادة، الأبانا والسلام، ثم قالت لأخيها: قرفت الصلاة يا زخيا، ما رأيك بسفرتنا هذه المرة: فهز زخيا رأسه وقال لها: أنا نبي؟! التدبير عند الله يا أختي.
وأخذا في الحديث ورفيقهما الراهب يسترق حديثهما ولا يفوه بكلمة بل كان يهز رأسه حينا بعد حين، ويسرح بصره في البحر المعرورف، تارة يفتل شاربيه وطورا يمشط لحيته بأصابعه، ولشد ما كان دهش الراهب عندما استوقفت مارينا السائق بعجلة غريبة، فوقف بغتة. فصاح الراهب: أيش بك يا بنتي!
فقالت مارينا: مار ضومط يا محترم، أنا ناذرة أن أصلي راكعة أمام صورته، ربي ألهمني أن مار ضومط يساعدني، ولمار ضومط فضل على زوجي شفاه من (العصبي).
وانبطحت مارينا أمام صورة مار ضومط على السكة تصلي بعين دامعة وقلب جريح، ثم ناجت مار ضومط بصوت مسموع: بحياتك يا مار ضومط، كملها معنا، ولك مني ما تريد، وانحنت فقبلت عتبة صومعته الصغيرة، وألقت فلسها في صندوق النذور وعادت إلى السيارة، فقال السائق: خلصنا يا ست؟ فأجابته: إن كان الله قبل، سق.
فتحول الراهب من السيارة بعد أن قال لمارينا: رزقك الله حسب نيتك يا بنتي، ثم فتح صندوقة النذر وأخذ ما بها وحاسب السائق ووضع ما بقي في جيبه، وقال: وفقكم الله.
وسار صعدا إلى مار ضومط القريب من الصومعة، فهو رئيس ذاك الدير الذي يجترح قديسه العجائب، فهو اختصاصي بمرض العصبي، اختصاص مار شليطا بالبهائم، وقزحيا بالمجانين، واستأنف السائق السير. أما زخيا فظل يتبع الراهب بنظره حتى دخل الدير، فهز رأسه وتنهد. وبعد بضع دقائق أطل تمثال سيدة حريصا العظيم فقال زخيا لأخته: سيدة حريصا يا أختي!
صفحة غير معروفة