فقال الشدياق: إيش دين هذه الشجرة؟ - هذه شجرة الكرسموس، يعني الميلاد. يعلقون فيها الملائكة والشموع، الشريط من كل لون، علب شوكولا وبسكوت وكاتو.
فقال الشدياق متعجبا: أسامي غريبة؟ ولأيش كل هذا؟ - إكراما للميلاد. - تبارك اسم سيدنا يسوع المسيح، واصل خبره لهناك؟ إذن في البلاد التي كنت فيها ناس تعرفه مثل الموارنة. - يس، يس ... معلوم ، كلهم نصارى يا عمي. - هذا حد علمي، عال عال. - يا ليتك تعرف كيف يتصورون الميلاد. - هات خبرنا، ولكن قوس حنكك مرتخ. شد البراغي واحك.
فضحك المستر توم وقال: تعودت اللفظ الأميركاني. ثم صر بوزه قليلا وقال: يتصورون الميلاد شيخا كبيرا لحيته لزناره وشواربه شبر وأكثر. يحمل على ظهره كيسا فيه هدايا للأولاد العاقلين. فينام جميع أولاد الأميركان تلك الليلة منتظرين هدايا سانت كلوز (بابا نويل) الذي ينزل إلى البيت من المدخنة، وفي الصباح يكون تحت مخدة كل ولد منهم سكربينه جديدة، فيها ملبس ولعب، وأشياء وأشياء.
فهز الشدياق رأسه وصاح: يه، يه، يه، يه، صار الميلاد بياع سكربينات! المسيح الذي قال: من لا يدخل من الباب فهو لص وسارق، ينزل من المدخنة، ما شاء الله عن بلادكم يا ابني. كل شيء فيها ينمسخ. نعم، كل شيء ... أنت، مثلا، رحت توما ورجعت توم وتومي. وقال باستهزاء: تعرف يا مستر توم، حكاية الميلاد عندنا غير حكايته في بلادكم. اسمع يا ابني حتى أخبرك: كان في ضيعتنا خوري اسمه الخوري نصر الله. كان متزوجا وماتت خوريته بلا أولاد. والخورية مثل الصنوبرة إذا انقلعت لا تفرخ، كما تعرف. وهذا الخوري كان من أغنياء الضيعة الكبار، وليس له إخوة حتى يأخذوا التركة. وهو في الوقت نفسه رجل تقي عمال خير، يريد أن يوزع مقتناه على المحتاجين. كان يعظ يوم أحد النسبة - أظن أن أميركا نستك أحد النسبة - هو الأحد الذي قبل الميلاد - كان يعظ يوم هذا الأحد ويوصي الناس أن يكونوا أتقياء، ويسيروا بخوف الله لتحل عليهم بركة الميلاد. ثم ينتظر عتمة ليلة عيد الميلاد ليحمل كيسا من الدراهم إلى عائلة فقيرة، ولهذا كان يقول لهم، من يعتقد أنه يستحق بركة الميلاد فليرد بابه ردا. وهكذا كان كل سنة يقصد بيتا ليترك فيه الكيس لتلك العائلة. وبقي يعمل ذلك سنين. وأخيرا عرف الناس أن الخوري هو الذي يحمل إليهم ذلك الكيس فصاروا يسلكون سلوكا حسنا، ويصلون إلى الله لتحل عليهم بركته مع هدية الميلاد.
هذه حكاية الميلاد عندنا لا حكاية ميلاد أميركانك الذين صيروا الطفل الإلهي لعبة أولاد. قالوا: إن أميركا فيها جنون كثير فيما صدقت لولا هذه الخبرية.
واندحر المستر توم في هذه المعركة فأراد فتح جبهة ثانية، فراح يحكي عن جورج واشنطون وتحريره أميركا.
فصاح الشدياق وكان صدره قد امتلأ غيظا: منو هذا جرج شنتان حتى تذكره وتنسى مار مارون؟ مار مارون حررك من عبودية الطاغوت. خرفت يا توم، رجعت إلينا تلفان، ما فيك شعرة من الموارنة.
وكان الناس يعجبون بحديث المستر توم ولكنه لما احتك بالشدياق سقط من عيونهم، وقال واحد: شخص مثل الشدياق حرام يموت.
ولما تقهقر المستر ثانية في معركة الأشخاص، راح يتحدث عن الاختراعات الحديثة فقال: اليوم اخترعوا آلة تحكي وحدها. مثلا، حديثنا الليلة، تلقطه هذه الآلة وتراجعه لنا ساعة نريد.
فلم يزد الشدياق على قوله: الدنيا فيها كذب كثير.
صفحة غير معروفة