الخليفة بسبب خروجه عن نهج سابقيه، وتركه الامر لقومه يتصرفون فيه بأهوائهم، حتى (برزت) تعارض عليا معارضة شديدة لم يلق مثلها من غيرها، وكان أول شئ بدا منها لهذا الامام العظيم أنها ما كادت تعلم بنبأ بيعته حتى ثارت ثائرتها وصاحت: لا يمكن أن يتم ذلك! ولو انطبقت هذه على هذه - أي السماء على الأرض - وما لبثت أن ألبت عليه طلحة والزبير وقادوا جميعا الجيوش الجرارة لمحاربة علي (رضي الله عنه) في وقعة الجمل وكانت تركب جملا من المدينة إلى البصرة، وبعد أن انتهت هذه المعركة بسفك الدماء المحترمة، وبقتل طلحة، أعادها علي (رضي الله عنه) إلى المدينة مكرمة لم ينلها سوء، ولكنها لم تحفظ له هذا الجميل، ولم ترجع عن غيها، وظلت ضده بكل وسيلة وكان من ذلك أن كانت تؤيد معاوية في حروبه ضد علي (رضي الله عنه) ولم تهدأ ثائرتها حتى قتل علي، فقرت عينها، وهدأت نفسها، وتمثلت عند قتله بقول الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر وقد كان ذلك بسبب ضغنها لعلي (رضي الله عنه)، وما يكنه صدرها له لأنه زوج فاطمة بنت خديجة، وما كان لموقفه من حديث مما بينه شاعر الاسلام الكبير أحمد شوقي بأحسن بيان فقال يخاطب عليا (رضي الله عنه) بقوله:
يا جبلا تأبى الجبال ما حمل * ماذا رمت عليك رية الجمل أثأر عثمان الذي شجاها * أم غصة لم ينتزع شجاها ذلك فتق لم يكن بالبال * كيد النساء موهن الجبال وإن أم المؤمنين لامرأة * وإن تك الطاهرة المبرأة أخرجها من كنها وسنها * ما لم يزل طول المدى من ضغنها.. الخ هذا بعض ما قاله شاعر الاسلام في علي (رضي الله عنه )، وما رمته به عائشة، وقد خاطبها علي (رضي الله عنه) في كتاب أرسله إليها وإلى طلحة والزبير أثناء وقعة الجمل، لو أنها عقلته وتدبرته لاشتد ندمها ولاستغفرت الله
صفحة ١٢