نتيجة البحث على أثر انتشار الجوع والفقر في شبه الجزيرة العربية كانت الأسر الفقيرة في مكة تعتفد، أي تذهب إلى البر وتستسلم للموت، ليموت أفراد الأسرة واحدا بعد الآخر، وهذا الامر وإن كان قد عالجه هاشم في مكة إلا أن الفقر كان سائدا في غيرها من المناطق الفقيرة في شبه الجزيرة العربية، إلى حد أنهم كانوا يئدون بناتهم خشية الفقر والاملاق، ولذلك منعهم الله سبحانه عن ذلك وقال: (لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا) (الاسراء / 55). ومن ثم قررت قريش أن يطلق أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله بناته ليقعده إعالتهم عن القيام بأداء رسالته، وكل ذلك كان في الحالات الاعتيادية للانسان العربي في العصر الجاهلي، وبناء على ما ذكرنا، كيف كانت حالة الانسان الذي ترك كل وسائل الحياة في موطنه مكة هاجر إلى الحبشة في أفريقيا أولا، ثم إلى المدينة وبعيدا عن موطنه وأسرته ووسائل عيشه. في مثل هذا الظرف آوى رسول الله صلى الله عليه وآله نيفا وثمانين من المهاجرين الفقراء في صفة مسجده. وتعاون المتمكنون من المسلمين في إعالتهم.
كان من الحكمة أن يصاهر رسول الله صلى الله عليه وآله بعض خصومه لتلين قلوبهم عليه صلى الله عليه وآله وعلى المسلمين. وبسبب ذلك رأيناه صلى الله عليه وآله قضى عنفوان شبابه مع زوجة أيمة حتى بلغت خمسا وستين عاما أو دون ذلك من عمرها، وبلغ عمره الشريف خمسين عاما. تزوج بعد وفاتها بأيمة مسنة أخرى من المسلمات، ثم عقد على ابنة واحدة غير مزوجة في حياته الزوجية وتزوج بعدها حفصة بعد أن تأيمت وعرضها والدها عمر على أبي بكر فلم يرد عليه كلمة، فغضب من ذلك. فعرضها على عثمان حين توفيت زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
فقال عثمان: ما أريد أن أتزوج اليوم. فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. وأنقذ الرسول صلى الله عليه وآله الموقف المتأزم بين الصحابة الثلاثة وتزوج حفصة. وتوفي أبو رهم زوج ميمونة، فتأيمت في مكة، فلما ذهب الرسول صلى الله عليه وآله للعمرة في السنة السابعة من الهجرة وعرضها زوج أختها العباس على رسول الله صلى الله عليه وآله، وتداركها
صفحة ٤٧