الأغاني
محقق
علي مهنا وسمير جابر
الناشر
دار الفكر للطباعة والنشر
مكان النشر
لبنان
ذكر المائة الصوت المختارة
الرشيد يأمر المغنين باختيار ثلاثة أصوات
أخبرنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني أبي قال
حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن أباه أخبره أن الرشيد رحمة الله عليه أمر المغنين وهم يومئذ متوافرون أن يختاروا له ثلاثة أصوات من جميع الغناء فأجمعوا على ثلاثة أصوات أنا أذكرها بعد هذا إن شاء الله قال إسحاق فجرى هذا الحديث يوما وأنا عند أمير المؤمنين الواثق بالله فأمرني باختيار أصوات من الغناء القديم فاخترت له من غناء أهل كل عصر ما اجتمع علماؤهم على براعته وإحكام صنعته ونسبته إلى من شدا به ثم نظرت إلى ما أحدث الناس بعد ممن شاهدناه في عصرنا وقبيل ذلك فاجتبيت منه ما كان مشبها لما تقدم أو سالكا طريقه فذكرته ولم أبخسه ما يجب له وإن كان قريب العهد لأن الناس قد يتنازعون الصوت في كل حين وزمان وإن كان السبق للقدماء إلى كل إحسان
وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني هارون بن الحسن بن سهل وأبو العبيس بن حمدون وابن دقاق وهو محمد بن أحمد بن يحيى المعروف بابن دقاق بهذا الخبر فزعم
صفحة ٨
أن الرشيد أمر هؤلاء المغنين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها ثم أمرهم باختيار عشرة منها فاختاروها ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلاثة ففعلوا
وذكر نحو ما ذكره يحيى بن علي ووافقه في صوت من الثلاثة الأصوات وخالفه في صوتين وذكر يحيى بن علي بإسناده المذكور أن منها لحن معبد في شعر أبي قطيفة وهو من خفيف الثقيل الأول
( القصر فالنخل فالجماء بينهما
أشهى إلى القلب من أبواب جيرون )
ولحن ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة ولحنه من الثقيل الثاني
( تشكى الكميت الجري لما جهدته
وبين لو يستطيع أن يتكلما )
ولحن ابن محرز في شعر نصيب وهو من الثقيل الثاني أيضا
( أهاج هواك المنزل المتقادم
نعم وبه ممن شجاك معالم )
وذكر جحظة عمن روى عنه أن من الثلاثة الأصوات لحن ابن محرز في شعر المجنون وهو من الثقيل الثاني
صفحة ٩
( إذا ما طواك الدهر يا أم مالك
فشأن المنايا القاضيات وشانيا )
ولحن إبراهيم الموصلي في شعر العرجي وهو من خفيف الثقيل الثاني
( إلى جيداء قد بعثوا رسولا
ليحزنها فلا صحب الرسول )
ولحن ابن محرز في شعر نصيب وهو على ما ذكر هزج
( أهاج هواك المنزل المتقادم
نعم وبه ممن شجاك معالم )
وحكي عن أصحابه أن هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق لا تبقي نغمة في الغناء إلا وهي فيها
المغنون يختارون لحن ابن محرز
أخبرني الحسن بن علي الأدمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدثني محمد بن جبر المغني قال حدثني إبراهيم بن المهدي
أن الرشيد أمر المغنين أن يختاروا له أحسن صوت غني فيه فاختاروا له لحن ابن محرز في شعر نصيب
( أهاج هواك المنزل المتقادم )
صفحة ١٠
قال وفيه دور كثير أي صنعة كثيرة والذي ذكره أبو أحمد يحيى بن علي أصح عندي ويدل على ذلك تباين ما بين الأصوات التي ذكرها والأصوات الأخر في جودة الصنعة وإتقانها وإحكام مباديها ومقاطعها وما فيها من العمل وأن الأخرى ليست مثلها ولا قريبة منها وأخرى هي أن جحظة حكى عمن روى عنه أن فيها صوتا لإبراهيم الموصلي وهو أحد من كان اختار هذه الأصوات للرشيد وكان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع وفليح بن أبي العوراء وليس أحد منهما دونه إن لم يفقه فكيف يمكن أن يقال إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحن من صنعته في ثلاثة أصوات اختيرت من سائر الأغاني وفضلت عليها ألم يكونا لو فعلا ذلك قد حكما لإبراهيم على أنفسهما بالتقدم والحذق والرياسة وليس هو كذلك عندهما
اختلاف وجهتي نظر إبراهيم بن ميمون وولده في غناء ابن جامع
ولقد أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم عن حماد بن إسحاق عن أبيه
صفحة ١١
أنه أتى أباه إبراهيم بن ميمون يوما مسلما فقال له أبوه يا بني ما أعلم أحدا بلغ من بر ولده ما بلغته من برك وإني لأستقل ذلك لك فهل من حاجة أصير فيها إلى محبتك قلت قد كان جعلت فداك كل ما ذكرت فأطال الله لي بقاءك ولكني أسألك واحدة يموت هذا الشيخ غدا أو بعد غد ولم أسمعه فيقول الناس لي ماذا وأنا أحل منك هذا المحل قال لي ومن هو قلت ابن جامع قال صدقت يا بني أسرجوا لنا فجئنا ابن جامع فدخل عليه أبي وأنا معه فقال يا أبا القاسم قد جئتك في حاجة فإن شئت فاشتمني وإن شئت فاقذفني غير أنه لا بد لك من قضائها هذا عبدك وابن أخيك إسحاق قال لي كذا وكذا فركبت معه أسألك أن تسعفه فيما سأل فقال نعم على شريطة تقيمان عندي أطعمكما مشوشة وقلية وأسقيكما من نبيذي التمري وأغنيكما فإن جاءنا رسول الخليفة مضينا إليه وإلا أقمنا يومنا فقال أبي السمع والطاعة وأمر بالدواب فردت فجاءنا ابن جامع بالمشوشة والقلية ونبيذه التمري فأكلنا وشربنا ثم اندفع فغنانا فنظرت إلى أبي يقل في عيني ويعظم ابن جامع حتى صار أبي في عيني كلا شيء فلما طربنا غاية الطرب جاء رسول الخليفة فركبا وركبت معهما فلما كنا في بعض الطريق قال لي أبي كيف رأيت ابن جامع يا بني قلت له أو تعفيني جعلت فداك قال لست أعفيك فقل فقلت له رأيتك ولا شيء أكبر عندي منك قد صغرت عندي في الغناء معه حتى صرت كلا شيء ثم مضينا إلى الرشيد وانصرفت إلى منزلي وذلك لأني لم أكن بعد وصلت إلى الرشيد فلما أصبحت أرسل إلي أبي فقال يا بني هذا الشتاء قد هجم عليك وأنت تحتاج فيه إلى مؤونة وإذا مال عظيم بن يديه فاصرف هذا المال في حوائجك فقمت فقبلت يده ورأسه وأمرت بحمل المال واتبعته فصوت بي يا إسحاق ارجع فرجعت فقال لي أتدري لم وهبت لك هذا المال قلت نعم جعلت فداك قال لم قلت لصدقي فيك وفي ابن جامع قال صدقت يا بني امض راشدا ولهما في هذا الجنس أخبار كثيرة تأتي في غير هذا الموضع متفرقة في أماكن تحسن فيها ولا يستغنى بما ذكر هاهنا عنها فإبراهيم يحل ابن جامع هذا المحل مع ما كان بينهما من المنافسة والمفاخرة ثم يقدم على أن يختار فيما هو معه فيه صوتا لنفسه يكون مقدما على سائر الغناء ويطابقه هو وفليح عليه خطأ لا يتخيل وعلى ما به فإنا نذكر الصوتين اللذين رويناهما عن جحظة المخالفين لرواية يحيى بن علي بعد ذكرنا ما رواه يحيى ثم نتبعهما باقي الاختيار فأول ذلك من رواية أبي الحسن علي بن يحيى
الكلام على أحد هذه الأصوات الثلاثة صوت فيه لحنان
( القصر فالنخل فالجماء بينهما
أشهى إلى القلب من أبواب جيرون )
( إلى البلاط فما حازت قرائنه
دور نزحن عن الفحشاء والهون )
( قد يكتم الناس أسرارا فأعلمها
ولا ينالون حتى الموت مكنوني )
صفحة ١٣
عروضه من أول البسيط القصر الذي عناه هاهنا قصر سعيد بن العاص بالعرصة والنخل الذي عناه نخل كان لسعيد هناك بين قصره وبين الجماء وهي أرض كانت له فصار جميع ذلك لمعاوية بن أبي سفيان بعد وفاة سعيد ابتاعه من ابنه عمرو باحتمال دينه عنه ولذلك خبر يذكر بعد وأبواب جيرون بدمشق ويروى حاذت قرائنه من المحاذاة والقرائن دور كانت لبني سعيد بن العاص متلاصقة سميت بذلك لاقترانها ونزحن بعدن والنازح البعيد يقال نزح نزوحا والهون الهوان قال الراجز
( لم يبتذل مثل كريم مكنون
أبيض ماض كالسنان المسنون )
( كان يوقي نفسه من الهون )
والمكنون المستور الخفي وهو مأخوذ من الكن الشعر لأبي قطيفة المعيطي والغناء لمعبد وله فيه لحنان أحدهما خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها من رواية إسحاق وهو اللحن المختار والآخر ثقيل أول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة
صفحة ١٤
خبر أبي قطيفة ونسبه
هو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب هذا الذي عليه النسابون
صفحة ١٥
وذكر الهيثم بن عدي في كتاب المثالب أن أبا عمرو بن أمية كان عبدا لأمية اسمه ذكوان فاستلحقه وذكر أن دغفلا النسابة دخل على معاوية فقال له من رأيت من علية قريش فقال رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس فقال صفهما لي فقال كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه في جبينه نور النبوة وعز الملك يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب قال فصف أمية قال رأيته شيخا قصيرا نحيف الجسم ضريرا يقوده عبده ذكوان فقال مه ذاك ابنه أبو عمرو فقال هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه وأما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به ثم نعود إلى سياقة النسب من لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة والنضر عند أكثر النسابين أصل قريش فمن ولده النضر عد منهم ومن لم يلده فليس منهم وقال بعض نسابي قريش بل فهر بن مالك أصل قريش فمن لم يلده فليس من قريش ثم نعود للنسب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار وولد إلياس يقال له خندف لهم سموا بأمهم خندف وهو لقبها واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهي أم مدركة وطابخة وقمعة بني إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب وقيل أشجب بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم هذا النسب الذي رواه نسابو العرب وروي عن ابن شهاب الزهري وهو من علماء قريش وفقهائها
صفحة ١٦
وقال قوم آخرون من النسابين ممن أخذ فيما يزعم عن دغفل وغيره معد بن عدنان بن أدد بن آمين بن شاجيب بن نبت بن ثعلبة بن عنز بن سريج بن محلم بن العوام بن المحتمل بن رائمة بن العقيان بن غلة بن شحدود بن الضرب بن عيفر بن إبراهيم بن إسماعيل بن رزين بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور بن عتود بن دعدع بن محمود بن الرائد بن بدوان بن أمامة بن دوس بن حصين بن النزال بن الغمير بن محشر بن معذر بن صيفي بن نبت بن قيدار بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهما وعلى أنبيائه أجميعن وسلم تسليما ثم أجمعوا أن إبراهيم بن آزر وهو اسمه بالعربية كما ذكره الله تعالى في كتابه وهو في التوراة بالعبرانية تارح بن ناحور وقيل الناحر بن الشارع وهو شاروع بن أرغو وهو الرامح بن فالغ وهو قاسم الأرض الذي قسمها بين أهلها بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهو الرافد بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم بن لامك وهو في لغة العرب ملكان بن المتوشلخ وهو المنوف بن أخنخ وهو إدريس نبي الله عليه السلام بن يارد وهو الرائد بن مهلايل بن قينان وهو قنان بن أنوش وهو الطاهر بن شيث وهو هبة الله ويقال له أيضا شاث بن آدم أبي البشر صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وعلى نبينا محمد خاصة وسلم تسليما هذا الذي في أيدي الناس من النسب على اختلافهم فيه
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم تكذيب للنسابين ودفع لهم وروي أيضا خلاف لأسماء بعض الآباء وقد شرحت ذلك في كتاب النسب شرحا يستغنى به عن غيره
العنابس والأعياص
صفحة ١٧
وأبو قطيفة وأهله من العنابس من بني أمية وكان لأمية من الولد أحد عشر ذكرا كل واحد منهم يكنى باسم صاحبه وهم العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص وعمرو وأبو عمرو وحرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان والعويص لا كنى له فمنهم الأعياص فيما أخبرنا حرمي بن أبي العلاء واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق والطوسي واسمه أحمد بن سليمان قالا حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه قال الأعياص العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص والعويص ومنهم العنابس وهم حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو وإنما سموا العنابس لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية بعكاظ وعقلوا أنفسهم وقاتلوا قتالا شديدا فشبهوا بالأسد والأسد يقال لها العنابس واحدها عنبسة وفي الأعياص يقول عبد الله بن فضالة الأسدي
( من الأعياص أو من آل حرب
أغر كغرة الفرس الجواد )
والسبب في قوله هذا الشعر ما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني وابن غزالة قالوا
صفحة ١٨
أتى عبد الله بن فضالة بن شريك الوالبي ثم الأسدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير فقال له نفدت نفقتي ونقبت راحلتي قال أحضرها فأحضرها فقال أقبل بها أدبر بها ففعل فقال ارقعها بسبت واخصفها بهلب وأنجد بها يبرد خفها وسر البردين تصح فقال ابن فضالة إني أتيتك مستحملا ولم آتك مستوصفا فلعن الله ناقة حملتني إليك قال ابن الزبير إن وراكبها فانصرف عنه ابن فضالة وقال
عبد الله بن فضالة يهجو ابن الزبير
( أقول لغلمتي شدوا ركابي
أجاوز بطن مكة في سواد )
( فما لي حين أقطع ذات عرق
إلى ابن الكاهلية من معاد )
( سيبعد بيننا نص المطايا
وتعليق الأداوى والمزاد )
( وكل معبد قد أعلمته
مناسمهن طلاع النجاد )
صفحة ١٩
( أرى الحاجات عند أبي خبيب
نكدن ولا أمية بالبلاد )
( من الأعياص أو من آل حرب
أغر كغرة الفرس الجواد )
أبو خبيب عبد الله بن الزبير كان يكنى أبا بكر وخبيب ابن له هو أكبر ولده ولم يكن يكنيه به إلا من ذمه يجعله كاللقب له قال فقال ابن الزبير لما بلغه هذا الشعر علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته قال اليزيدي إن هاهنا بمعنى نعم كأنه إقرار بما قال ومثله قول ابن قيس الرقيات
( ويقلن شيب قد علاك
وقد كبرت فقلت إنه )
وأم أبي معيط آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ولها يقول نابغة بني جعدة
( وشاركنا قريشا في تقاها
وفي أنسابها شرك العنان )
صفحة ٢٠
( بما ولدت نساء بني هلال
وما ولدت نساء بني أبان )
وكانت آمنة هذه تحت أمية بن عبد شمس فولدت له العاص وأبا العاص وأبا العيص والعويص وصفية وتوبة وأروى بني أمية فلما مات أمية تزوجها بعده ابنه أبو عمرو وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك يتزوج الرجل امرأة أبيه بعده فولدت له أبا معيط فكان بنو أمية من آمنة إخوة أبي معيط وعمومته أخبرني بذلك كله الطوسي عن الزبير بن بكار
قال الزبير وحدثني عمي مصعب قال زعموا أن ابنها أبا العاص زوجها أخاه أبا عمرو وكان هذا نكاحا تنكحه الجاهلية فأنزل الله تعالى تحريمه قال الله تعالى
﴿ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا﴾
فسمي نكاح المقت
مقتل عقبة والحارث
وأسر عقبة بن أبي معيط في يوم بدر فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا حدثنا بذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة ابن الفضل عن محمد بن إسحاق في خبر ذكره طويل وحدثني به أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري قالوا جميعا
صفحة ٢١
قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا فقال له وقد أمر بذلك فيه يا محمد أأنا خاصة من قريش قال نعم قال فمن للصبية بعدي قال النار فلذلك يسمى بنو أبي معيط صبية النار واختلف في قاتله فقيل إن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه تولى قتله وهذا من رواية بعض الكوفيين حدثني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال أخبرني المنذر بن محمد اللخمي قال حدثنا سليمان بن عباد قال حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت المدني عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليهم السلام
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا يوم بدر فضرب عنق عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وروى ابن إسحاق أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري قتله وأن الذي قتله علي بن أبي طالب عليه السلام النضر بن الحارث بن كلدة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني الحسن بن عثمان قال حدثني ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن أصحابه وحدثنا محمد بن جرير قال حدثنا أحمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أصحابه قالوا
قتيلة بنت الحارث ترثي أخاها
صفحة ٢٢
قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبرا أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه ثم أقبل من بدر حتى إذا كان ب الصفراء قتل النضر بن الحارث بن كلدة أحد بني عبد الدار أمر عليا عليه السلام أن يضرب عنقه قال عمر بن شبة في حديثه ب الأثيل فقالت أخته قتيلة بنت الحارث ترثيه
( يا راكبا إن الأثيل مظنة
من صبح خامسة وأنت موفق )
( أبلغ به ميتا بأن تحية
ما إن تزال بها النجائب تخفق )
( مني إليك وعبرة مسفوحة
جادت بدرتها وأخرى تخنق )
( هل يسمعن النضر إن ناديته
إن كان يسمع هالك لا ينطق )
( ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
لله أرحام هناك تشقق )
( صبرا يقاد إلى المنية متعبا
رسف المقيد وهو عان موثق )
صفحة ٢٣
( أمحمد ولأنت نسل نجيبة
في قومها والفحل فحل معرق )
( ما كان ضرك لو مننت وربما
من الفتى وهو المغيظ المحنق )
( أو كنت قابل فدية فليأتين
بأعز ما يغلو لديك وينفق )
( والنضر أقرب من أخذت بزلة
وأحقهم إن كان عتق يعتق )
فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته فيقال إن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه قال ابن إسحاق وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط قال حين أمر به أن يقتل فمن للصبية يا محمد قال النار فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أحد بني عمرو بن عوف
حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأدمي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثني عروة بن الزبير قال
صفحة ٢٤
سألت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذا أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبو بكر رحمة الله عليه حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله
الوليد بن عقبة يتولى الكوفة
وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفان لأمه أمهما أروى بنت عامر بن كريز وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف والبيضاء وعبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم توءمان وكان عقبة بن أبي معيط تزوج أروى بعد وفاة عفان فولدت له الوليد وخالدا وعمارة وأم كلثوم كل هؤلاء أخوه عثمان لأمه وولى عثمان الوليد بن عقبة في خلافته الكوفة فشرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران فزاد في الصلاة وشهد عليه بذلك عند عثمان فجلده الحد وسيأتي خبره بعد هذا في موضعه
وأبو قطيفة عمرو بن الوليد يكنى أبا الوليد وأبو قطيفة لقب لقب به وأمه بنت الربيع بن ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة
وقال أبو قطيفة هذا الشعر حين نفاه ابن الزبير مع بني أمية عن المدينة مع نظائر له تشوقا إليها
صفحة ٢٥
حدثني بالسبب في ذلك أحمد بن محمد بن شبيب بن أبي شيبة البزار قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني وأخبرني ببعضه أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثني أبي قال حدثني وهب بن جرير عن أبيه في كتابه المسمى كتاب الأزارقة ونسخت بعضه من كتاب منسوب إلى الهيثم بن عدي واللفظ للمدائني في الخبر ما اتسق فإذا انقطع أو اختلف نسبت الخلاف إلى راويه
قال الهيثم بن عدي أخبرنا ابن عياش عن مجالد عن الشعبي وعن ابن أبي الجهم ومحمد بن المنتشر
خروج ابن الزبير على بني أمية
صفحة ٢٦
أن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه وعلى أبيه السلام لما سار إلى العراق شمر ابن الزبير للأمر الذي أراده ولبس المعافري وشبر بطنه وقال إنما بطني شبر وما عسى أن يسع الشبر وجعل يظهر عيب بني أمية ويدعو إلى خلافهم فأمهله يزيد سنة ثم بعث إليه عشرة من أهل الشام عليهم النعمان بن بشير وكان أهل الشام يسمون أولئك العشرة النفر الركب منهم عبد الله بن عضاه الأشعري وروح بن زنباع الجذامي وسعد بن حمزة الهمداني ومالك ابن هبيرة السكوني وأبو كبشة السكسكي وزمل بن عمرو العذري وعبد الله بن مسعود وقيل ابن مسعدة الفزاري وأخوه عبد الرحمن وشريك بن عبد الله الكناني وعبد الله بن عامر الهمداني وجعل عليهم النعمان بن بشير فأقبلوا حتى قدموا مكة على عبد الله بن الزبير وكان النعمان يخلو به في الحجر كثيرا فقال له عبد الله بن عضاه يوما يابن الزبير إن هذا الأنصاري والله ما أمر بشيء إلا وقد أمرنا بمثله إلا أنه قد أمر علينا إني والله ما أدري ما بين المهاجرين والأنصار فقال ابن الزبير يابن عضاه مالي ولك إنما أنا بمنزلة حمامة من حمام مكة أفكنت قاتلا حماما من حمام مكة قال نعم وما حرمة حمام مكة يا غلام ائتني بقوسي وأسهمي فأتاه بقوسه وأسهمه فأخذ سهما فوضعه في كبد القوس ثم سدده نحو حمامة من حمام المسجد وقال يا حمامة أيشرب يزيد بن معاوية الخمر قولي نعم فوالله لئن فعلت لأرمينك يا حمامة أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك والله لئن فعلت لأرمينك فقال ابن الزبير ويحك أو يتكلم الطائر قال لا ولكنك يا بن الزبير تتكلم أقسم بالله لتبايعن طائعا أو مكرها أو لتتعرفن راية الأشعريين في هذه البطحاء ثم لا أعظم من حقها ما تعظم فقال ابن الزبير أو تستحل الحرم قال إنما يستحله من ألحد فيه فحبسهم شهرا ثم ردهم إلى يزيد بن معاوية ولم يجبه إلى شيء وفي رواية أحمد بن الجعد وقال بعض الشعراء وهو أبو العباس الأعمى واسمه السائب بن فروخ يذكر ذلك وشبر ابن الزبير بطنه
( ما زال في سورة الأعراف يدرسها
حتى بدا لي مثل الخز في اللين )
( لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد
أفضلت فضلا كثيرا للمساكين )
صفحة ٢٧
قال الهيثم ثم إن ابن الزبير مضى إلى صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله ابن عمر فذكر لها أن خروجه كان غضبا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار من أثرة معاوية وابنه وأهله بالفيء وسألها مسألته أن يبايعه فلما قدمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده وأثنت عليه وقالت ما يدعو إلا إلى طاعة الله جل وعز وأكثرت القول في ذلك فقال لها أما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحج عليهن الشهب فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن قال المدائني في خبره وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه على ذلك أكثر الناس فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي خلعت يزيد كما خلعت عمامتي ونزعها عن رأسه وقال إني لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي ولكن عدو الله سكير خمير وقال آخر خلعته كما خلعت نعلي وقال آخر خلعته كما خلعت ثوبي وقال آخر قد خلعته كما خلعت خفي حتى كثرت العمائم والنعال والخفاف وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك وامتنع منه عبد الله بن عمر ومحمد بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وجرى بين محمد خاصة وبين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير حتى أرادوا إكراهه على ذلك فخرج إلى مكة وكان هذا أول ما هاج الشر بينه وبين ابن الزبير
وقعة الحرة
صفحة ٢٩