كنا نسير في شارع جلال، في النصف الثاني من الليل؛ سهونا عن قشعريرة البرد، وثملنا بدفء الحلم.
قلت: طبعا ... أتريدين هذا التاكسي؟ - آن لي أن أرجع إلى بيتي. - وحدك؟ - لا أحد معي في شقتي الصغيرة. - أين تقيمين؟ - شارع الجيش. - نحن جيران تقريبا؛ إني أقيم في حجرة ببيت كرم يونس في باب الشعرية. - ملقن الفرقة؟ - نعم ... هل تدعينني إلى شقتك، أو أدعوك إلى حجرتي؟ - وكرم وحليمة؟
ضحكت، فابتسمت. تساءلت: لا أحد في البيت سواكم؟ - ابنها الوحيد، تلميذ.
جميلة، وصاحبة شقة ومرتب مثل مرتبي! •••
لم يستدعيني سرحان الهلالي ونحن منهمكون في التدريب؟
يقف مستندا إلى مائدة الاجتماعات في تيار الشمس الدافئ، يبتدرني: اعتذرت مرتين عن التدريب يا طارق ...؟ - لم أجد ما أقوله، فواصل بضيق: لا تخلط بين الصداقة والعمل ... ألم يكفك أنك حملت عباس على الاختفاء؟ - لعله هرب بعد افتضاح أمره! - ما زلت مصرا على أفكارك الغريبة؟ - إنه مجرم؛ ما من شك في ذلك! - إنها مسرحية، وإنك ممثل لا وكيل نيابة. - ولكنه مجرم، وأنت تؤمن بذلك. - الحقد يعمي بصيرتك! - لست حقودا. - لم تشف من خيبة الحب بعد. - إننا نتدرب لنهيئ النجاح للمجرم. - إنه نجاحنا نحن، وهي فرصتك للضوء بعد عمر طويل في الظل. - أستاذ سرحان ... الحياة ... - لا تحدثني عن الحياة ... لا تتفلسف ... إني أسمع ذلك كل ليلة في المسرح حتى مللته ... إنك تهمل صحتك ... الجنس والمخدرات وسوء التغذية ... ولا تتورع عن تمثيل دور الإمام في مسرحية الشهيدة وأنت سكران! - أنت الوحيد الذي عرف ذلك. - أكثر من ممثل شم رائحة فمك ... هل تضطرني إلى ...
قاطعته بجزع: لا تعرض صداقة العمر للهوان ... - ولحنت في آية، وهو شيء لا يغتفر. - مر كل شيء بسلام. - أرجوك ... أرجوك ... انس هوس التحقيق الخرافي، واحفظ دورك جيدا ... إنه فرصة العمر!
وأنا أغادر الحجرة، قال لي: عامل أم هاني معاملة أفضل ... ستعاني كثيرا إذا هجرتك.
اللعنة ... تماثلني في السن، ولا تعرف الشكر. شهدت موت تحية، دون أن تدري أنها قتلت. سأمثل كل ليلة دور العاشق المهجور ... سأبكي مرارا وتكرارا أمام النعش ... ماتت دون أن تندم ... لم تتذكرني ... لم تعرف أنها قتلت ... قتلها المثالي ... إنه ينتحر في المسرحية، ولكن يجب أن يشنق في الحياة ... ها هي جريمة تخلق مؤلفا وممثلا في آن. ••• - ألم تحضر تحية؟ - كلا. - لم أقابلها في المسرح. - لم تذهب إلى المسرح. - ماذا تعني يا عباس؟ - أستاذ طارق ... أرجوك ... لن تحضر تحية إلى هنا، ولن تذهب إلى المسرح. - من أدراك بهذه الأسرار كلها؟ - عفوا ... سنتزوج ... - هه؟! - اتفقنا على الزواج. - يا ابن ... أنت مجنون؟ ... ماذا تقول؟ - حلمك ... نريد أن نكون شرفاء معك ... دعني ...
لطمته، تنمر بغتة بوجه يموج بالعدوان، ولكمني. شاب قوي رغم السحابة على عينه اليسرى. دار رأسي، جاء كرم يونس، وجاءت حليمة. تساءلا: ماذا حدث؟
صفحة غير معروفة