فيقول لها: انطحي الجدار!
أجل، لم تعد المعيشة كما كانت؛ تقشف في الطعام، وتراجع في المصروف. أنا لا يهمني الطعام ولا النقود؛ كيف أقتني الكتب؟ حياة الروح لا تستغني عن النقود للأسف الشديد، وأتعس ما رميت به أنني فقدت أبي؛ أين ذلك الرجل القديم؟ يثور على نظرة عيني، ويقول لي: إنك أنموذج سيئ لا يصلح للحياة.
وتدهور الحال حتى انفصلا تماما، فاستقل كل واحد منهما بحجرة. تفتت البيت، بتنا سكانا غرباء في طابق واحد؛ عزيز علي مصير أمي! ومن ذلك المنطلق، تخيلت موقفا مسرحيا يدور حول معركة بين أبي وطارق، يقتل أبي طارق رمضان، ثم يقبض عليه، ويمضي وهو يقول لي: ليتني سمعت كلامك. يعود الطهر إلى البيت القديم. ولكني أشعر بالندم، الندم على قسوة خيالي. وأسأل أمي: كيف تواجهين تكاليف الحياة وحدك؟ - إني أبيع أشياء صغيرة. انتبه لعلمك؛ فأنت الأمل الوحيد الباقي. - قلبي معك. - أعرف ذلك، ولكن لم يحن الوقت بعد لتحمل همومنا؛ يجب أن تعمل من أجل مهنة مفيدة. - حلمي أن أكون مؤلفا للمسرح. - مهنة لا تضمن لك ثروة. - إني أحتقر المادة، أنت تعرفين كل شيء عني. - احتقر المادة، ولكن لا تتجاهلها.
فقلت لها بحماس: سينصر الخير يا أمي. - إني أدمن الحلم كما يدمن أبي الأفيون. بالحلم أغير كل شيء وأخلقه، أكنس سوق الزلط وأرشه، أجفف طفح المجاري، أهدم البيوت القديمة وأقيم مكانها عمارات شاهقة، أهذب الشرطي، أسمو بسلوك الطلاب والمدرسين، أوفر الطعام من الهواء، أمحق المخدرات والخمر.
ويجلس أبي في الصالة ذات عصر، وهو يشذب شاربه بملقاط، وقبالته طارق يرفأ جوربه. ويقول طارق: لا يخدعك فقر الفقراء، البلد ملأى بأغنياء لا يدري بهم أحد.
فقال أبي: الهلالي يربح ذهبا.
فيضحك طارق قائلا: طظ في الهلالي وذهبه، حدثني عن النساء، وفائض البترول! - يعجبني الجنون، ولكننا عاجزون.
وتدخلت قائلا: كان أبو العلاء يعيش على العدس وحده.
فصاح بي أبي: انقل هذه الحكمة لأمك!
وألوذ بالصمت، وأنا أقول لنفسي: يا لهما من حيوانين! •••
صفحة غير معروفة