إنه ذلك المجنون ... الذي طار إلى أقصى العالم، ثم جاء إلى هنا. واختار جحرا ، ولم يختر بيتا، حتى لا نتجاور، وكل هدفه - هذا الوحش الغيور - أن يفرق بيننا، وهذا طبعه، وهو كذلك دائما.
جورجو :
احذري يا عزيزتي في حديثك عن زوجك، كوني حريصة، وبخاصة حينما يكون صغيرك بجوارك. ما أقسى نظرته إليك! (إلى الطفل)
حسنا يازوبريون، يا حبيبي الصغير، إنها لا تعني أباك، إن أمك لا تعنيه.
إنه يلاحظ - ولا يزال الوقت مبكرا وربتي ... هل أنت في انتظار أبيك الحبيب؟
براكسينو :
هذا «الأب الحبيب»، كنت ذات يوم في حاجة إلى صابون وأحمر الشفاه، وطلبت إليه أن يعنى باختيارهما، فتوجه إلى الحانوت، وعاد إلي هذا الأحمق، هذا الأخرق الضخم الطويل، بملح! وإني لأصدقك القول ...
إن التفكير الشكلي الهلينستي يتمم الفلسفة الإغريقية. وقل ما أضافوه إلى عمل الفلاسفة في عصر الثقافة الأعظم في أكبر المشكلات، مشكلات الميتافيزيقا والكون. بيد أن المفكرين الهلينستيين توسعوا - في مشكلات الحياة اليومية، والأخلاق - بشيء من التفصيل، وبكثير من التنوع في الاتجاهات الرئيسية التي أخذوها عن الفلاسفة الأولين. وتناولوا بالدرس الدقيق وفي شغف شديد الفلاسفة والأدباء، واتسع مجال الفلسفة، أو أصبح على الأقل أشد وضوحا، حتى إنا لنستطيع أن نقول مرة أخرى إن الغرب الحديث لا يكاد يضيف جديدا على ميراثه الفلسفي الكلاسيكي.
وإذن فقد كانت هناك أولا كل صنوف الخبرات الفلسفية الأساسية والفرعية، وهذا التنوع يتمثل - كما تمثل في الحكايات التي رويت عن فن التصوير - في التفسير الشعبي لما كان يفكر فيه الفلاسفة. وكان هناك المتشككون الذين شكوا في أنهم يشكون فيما كانوا يشكون فيه. وهناك ديوجنيز الساخر، أو الفيلسوف الكلبي، الذي كان يعيش في حوض، وعرفناه رجلا مر اللسان، فطنا، ثائرا على التقاليد، أكثر مما عرفناه زاهدا متطلعا إلى العالم الآخر. وهناك العقليون الأبرياء، أو المناطقة، الواثقون بأنفسهم، الذين كان بوسعهم أن يفسروا (أو يعللوا) كل شيء، وبخاصة العقائد الدينية التي نبذوها. وقد تأملوا بغير هوادة ذلك الذي نسميه الأساطير اليونانية، وفسروها تفسيرا دقيقا؛ ففسر العقليون قصة أكتايون، ذلك الصائد الذي التهمته كلابه؛ لأنه أساء إلى الإلهة أرتميس، على أنها قصة شاب بوهيمي مسرف، استنفد كل أمواله في تربية قطيع من كلاب الصيد، فانقض عليه دائنوه.
وكذلك كان للاعقليين - إذا جاز لنا أن نستخدم في حياء لفظا أسيء استخدامه - من يمثلهم. ولم تحدث المبالغة في فلسفة أفلاطون التي تنتمي إلى العالم الآخر، والتي نسميها في كتب الدراسة «الأفلاطونية الجديدة» إلا في العصر الروماني، لا في العصر الهلينستي على وجه التحديد. غير أن أفلوطين، الذي ولد في عام 204 بعد الميلاد، وهو أعظم فلاسفة الأفلاطونية الجديدة، ليس إلا حلقة من سلسلة طويلة من المتصوفة، وبعضهم مسيحي، وبعضهم الآخر وثني. وقد كان أفلوطين يؤمن بتلك العقيدة الشائعة بين المتصوفين، وهي أن الفرد إذا درب تدريبا صحيحا يمكنه أن يبلغ حالة من النشوة التي «لا يدري» فيها بنفسه كحيوان، أو إنسان واع، يكتسب الخبرة بحواسه. إن الروح الصافية - عند أفلوطين - يمكن بالفعل أن تخفي العالم المادي في الوجود الذي هو حقيقته، وتتحد مع نور الإله.
صفحة غير معروفة