وهناك اتجاه آخر يتمثل في زيادة الزينة، وزيادة الترف، وبخاصة في المساكن الخاصة. وحتى في بناء المعابد حل الطراز الكورنثي الذي يتميز بأوراق الأقنثا (نوع من النبات الشوكي) الذي كان يؤثره الرومان محل الطراز الدوري البسيط. وبدأ الناس يتفاخرون بضخامة المباني، وإن يكن المهندسون المعماريون في العالم الإغريقي الروماني القديم عامة لم يحاولوا أن يقيموا ارتفاعا رأسيا شامخا، كما فعل بناة الكاتدرائيات في العصور الوسطى وبناة ناطحات السحاب في العصر الحديث.
وهناك اتجاه آخر نحو ما نألفه في العصر الحديث وما نسميه التهرب. وربما كانت دقة البحث والعلوم مهارب للإغريقي الهلينستي، ولكن أوضح مثال هو شيوع الشعر الرعوي في مجتمع مدني؛ فقد كان الرجال والنساء من الطبقة العليا، الذين كانت تحوطهم أسباب الدعة والراحة في مدينة غاية في التقدم، يحبون أن يقرءوا عن الرعاة والراعيات، وعن الأودية التي تنمو فيها الغابات، وعن وجبات الخبز والجرجير، وعن الحب الصادق. ومما لا شك فيه أن كثيرا منهم تحول من القراءة إلى حماماتهم الساخنة، وأدوات الزينة، والرق، والولائم، والحب غير الصادق. وبقيت قلة منهم لا تسيغ هذه الأشياء. ولكنهم لم يكونوا يتهربون بمعنى ساذج. كانوا ثائرين، مستعدين للقيام بأمور أكثر جدية من أناشيد الرعاة لثيوقريطس. كانوا في الواقع مستعدين للمسيحية، وسوف نعود إليهم.
والفكاهة أيضا صفة هلينستية مميزة. وهي صفة تظهر دائما في كل ثقافة ناضجة. حقا لقد كانت الفكاهة موجودة عند أرستوفان، مصحوبة بكثير من الابتهاج والصراحة. غير أن الفكاهة الهلينستية أشد حقدا، وأكثر تهذيبا، وهي تتحول إلى سخرية في يسر وسهولة. وقد كانت أسلوبا يقول به المؤلف شيئا ظاهرا للعامة، وشيئا آخر يفهم تلميحا للأذكياء والمطلعين. وأحيانا توجه الفكاهة إلى النقائص ومواطن الضعف في طبيعتنا البشرية المشتركة. وكان الإغريق المتأخرون، وأتباعهم من اللاتينيين، مغرمين برسم الشخصيات رسما دقيقا، وبالسخرية، التي قد تكون مريرة جدا، أو مرحة جدا. وكثيرا ما كان هؤلاء الساخرون واقعيين كذلك. وفيما يلي - على سبيل المثال - ترجمة لقصيدة لأحد الكتاب المتأخرين، قد حفظت ضمن مجموعة رائعة من الشعر اليوناني عرفت باسم «مجموعة بالاتين». وهي تبين لنا عرضا أن العالم الوثني كان به نباتيون:
انطلق وسط جذور النبات في بستانه،
وتناول سكينا وحز رقاب الجذوع،
وقدم لنا كومة فوق كومة من طعام أخضر،
كأن ضيوفه غنم لها ثغاء،
من سدب، وخس، وبصل، وحبق، وكرات،
وفجل، و«شكوريا»، وحلبة، وجنجل، ونعناع،
وترمس مسلوق - ولم يقف عند حد.
صفحة غير معروفة