عنه تلقينا ، وإنما كان يروى بعضهم عن بعض ، فمن لم يسمع من الرسول كان يأخذ ممن سمع منه (صلى الله عليه وسلم) ، وإذا رواه لغيره لم يعزه إلى الصحابي الذى تلقاه عنه ، بل يرفعه إلى النبي بغير أن يذكر اسم هذا الصحابي - ذلك أن مجالس الرسول كانت متعددة ، وتقع في أزمنة وأمكنة مختلفة ، ولا يمكن أن يحضر الصحابة جميعا كل مجلس من مجالسه ، فما يحضره منها بعض الصحابة لا يحضره البعض الآخر . وقد ذكر الآمدي في كتاب الاحكام في أصول الاحكام (1) : أن ابن عباس لم يسمع من رسول الله سوى أربعة أحاديث لصغر سنه ولما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الربا في النسيئة " وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبى حتى رمى حجر العقبة ، قال في الجزء الاول لما روجع فيه ، قال : أخبرني به أسامة ابن زيد ، وفي الخبر الثاني : أخبرني به أخى الفضل بن العباس . ولما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أصبح جنبا في رمضان فلا صوم له ، راجعوه في ذلك ، فقال : ما أنا قلته ورب الكعبة ولكن محمدا قاله ! ثم عاد فقال : حدثنى به الفضل بن العباس (2) . وروى عن البراء بن عازب قال : " ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ولكن سمعنا بعضه وحدثنا أصحابنا ببعضه " . وأما التابعون فقد كان من عادتهم إرسال الاخبار (3) . ويدل على ذلك ما روى عن الاعمش أنه قال : قلت لابراهيم النخعي : إذا حدثتني فأسند (4) فقال : إذا قلت لك حدثنى فلان عن عبد الله فهو الذى حدثنى وإذا قلت لك حدثنى
---
(1) ص 178 - 180 ج 2 وقال ابن القيم في الوابل الصيب : إن ما سمعه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ العشرين حديثا ، وعن ابن معين والقطان وأبى داود في السنن أنه روى تسعة أحاديث وذلك لصغر سنه ومع ذلك فقد أسند له أحمد في مسنده 1696 حديثا ! (2) لهذا الحديث قصة شائقة تقرؤها في تاريخ أبى هريرة الذى طبعناه باسم " شيخ المضيرة " مرتين . (3) الرواية المرسلة للحديث هي التى لم يذكر فيها اسم الذى رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . (4) الحديث المسند ما اتصل سنده إلى منتهاه ، وكان التابعون يتبعون في ذلك سبيل الصحابة فيما يروون من الاحاديث التى لم يسمعوها من النبي وإنما تلقوها من إخوانهم فإنهم كانوا لا يذكرون أسماء من تلقوا عنهم . (*)
--- [ 72 ]
صفحة ٧١