روى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت أبا بكر تلتمس أن تورث فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئا ، وما علمت أن رسول الله ذكر لك شيئا ، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال ، كان رسول الله يعطيها السدس فقال له : هل معك أحد ؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر . هذا هو عمل أبى بكر ، أما عمر فقد كان أشد من ذلك إحتياطا وتثبتا . قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (1) : " وكان عمر شديدا على من أكثر الرواية - أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد عليه ، وكان يأمرهم بأن يقلوا الرواية - يريد بذلك أن لا يتسع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والاعرابي (2) . " وقد بلغ من شدة حرصه على صيانة الحديث أن ضرب أبا هريرة على رواية الحديث وأنذره بالنفى إلى بلاده إذا هو روى . وقال الذهبي في طبقات الحفاظ : " وهو الذى سنن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب " . روى البخاري عن أبى سعيد الخدرى قال كنت في مجلس - من مجالس الانصار - إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور ! فقال : إستأذت على عمر ثلاثا ، فلم يؤذن لى فرجعت . قال عمر : ما منعك ؟ فقال إستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لى فرجعت . قال رسول الله : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع " ، فقال والله لتقيمن عليه بينة - زاد مسلم - وإلا أوجعتك - وفي رواية ثالثة : فوالله لاوجعن ظهرك وبطنك ، أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا - أمنكم أحد سمعه من النبي ؟ فقال أبى بن كعب : والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم ، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي قال ذلك . فانظر كيف تشدد عمر في أمر ليس فيه حلال ولا حرام ، وقدر ماذا يكون الامر لو كان الحديث في غير ذلك من أصول الدين أو فروعه !
---
(1) ص 48 . (2) قد وقع ماخشيه عمر بعد أن اتسع الناس في الرواية فدخلها الشوب ووقع فيها التدليس والكذب . ولا حول ولا قوة إلا بالله . (*)
--- [ 59 ]
صفحة ٥٨