وأين ذهبت عانية الصحابة بهذا " المثل " فلم يكتبوه كما كتبوا القرآن في زمن أبى بكر وعند ما نسخ في عهد عثمان ووزعت نسخه على الامصار ؟ إلا إنهم بإهمالهم هذا الامر الخطير إنما يكونون قد تركوا " نصف الوحى " بغير تدوين ، ويصبحون بذلك جميعا من الآثمين (1) . الصحابة ورواية الحديث إذا كانت الآثار الصحيحة قد جاءت في نهى النبي (صلى الله عليه وسلم ) عن كتابة حديثه ، والاخبار الوثيقة قد ترادفت بأن صحابته قد استمعوا إلى نهيه ، ولم يكتبوا حديثه بعد موته - كما علمت مما مر بك - فإنا نجد هؤلاء الصحابة لم يقف بهم الامر عند ذلك ، وإنما كانوا يرغبون عن رواية الحديث وينهون عنها وأنهم كانوا يتشددون في قبول الاخبار تشديدا قويا . روى الذهبي في تذكرة الحفاظ قال : من مراسيل ابن أبى مليكة (2) أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله ، وحرموا حرامه . وروى ابن عساكر عن محمد بن إسحاق قال : أخبرني صالح بن إبراهيم
---
(1) بعد صدور الطبعة الاولى من كتابنا هذا في سنة 1958 جاءنا كتيب من الهند بعث به إلينا صديقنا العلامة عبد الحميد الخطيب رحمه الله من دمشق ووصل إلينا في يوم السبت الموافق 6 فبراير سنة 1960 واسم هذا الكتيب رسالة " الذب عن العرب " تأليف عبد العزيز إسماعيل الخالدي ومطبوع في بلاد الهند في سنة 1368 (1948) وهى رسالة قيمة تنم عن علم مؤلفها وفضله ، بين فيها ما بثه علماء الفرس في دين الاسلام انتقاما منه لما دك عروش ملوكهم وقضى على دولتهم وملكهم ، وقد جعل هذا الحديث الذى تكلمنا عنه مما بثوه في الدين الاسلامي (ص 14) وذلك ليفسدوا به أحكام الدين بعد أن عجزوا عن أن ينالوا من القرآن الكريم . فالحمد لله على توفيقه وأن ما نفهمه في ديننا يقول به علماء كبار من غير بلادنا . (2) ص 3 ج 1 - وابن أبى مليكة هو عبد الله بن عبيدالله بن أبى ملكية القرشى التميمي الملكى . قاضى مكة في زمن ابن الزبير كان إماما فقيها فصيحا مفوها ، اتفقوا على توثيقه ، وممن روى عنه الليث بن سعد ، توفى سنة 117 ه ، وص 63 من كتاب التشريع الاسلامي للشيخ محمد الخضرى . (*)
--- [ 54 ]
صفحة ٥٣