أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله في ذلك - ورواية البيهقى - فاستشار ، فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله شهرا ، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له ، فقال : إنى كنت أريد أن أكتب السنن ، وإنى ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإنى والله لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا . ورواية البيهقى " لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا " . وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها ثم كتب في الامصار من كان عنده شئ فليمحه (1) . وروى ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال : سألت القاسم بن محمد أن يملى على أحاديث ، فقال : إن الاحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب (2) فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب ، قال (3) فمنعني الناس القاسم بن محمد يومئذ أن أكتب حديثا . ودخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث ، وأمر إنسانا أن يكتبه فقال له زيد : " إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه ، فمحاه . وعن عبد الله بن يسار قال : سمعت عليا يخطب يقول : أعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحاه ، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم . وعن الاسود بن هلال قال : أتى عبد الله بن مسعود بصحيفة فيها حديث فدعا بماء فمحاها ثم غسلها ثم أمر بها فأحرقت . ثم قال أذكر الله رجلا يعلمها عند أحد إلا أعلمني به ، والله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها ، بهذا هلك أهل الكتاب
---
(1) ص 64 و65 ج 1 جامع بيان العلم وفضله وص 206 ج 1 / 3 طبقات ابن سعد طبعة ليدن وما خشيه عمر قد وقع . (2) بدأت رواية الحديث تكثر في عهد عمر فترى ماذا يكون الامر بعد وفاة عمر . (3) ص 140 ج 5 طبقات ابن سعد وص 52 تقييد العلم للبغدادي . ولعل عمر يقصد أن يمثل ذلك بما صنعه اليهود عند ما تركوا التوراة وعملوا بمجموعة الروايات الاسرائيلية وسموها " مثناة " ومن مختار الصحاح عن أبى عبيدة أن الاحبار والرهبان وضعوا بعد موسى عليه السلام كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله فهو " المثناة " ويرويها بعضهم بالسين المهملة . وجاء في كتاب مقالة في الاسلام بالشين - المشناة . (*)
--- [ 48 ]
صفحة ٤٧