وإختلاف العلماء فيها ، وإلى درجاتهم في العلم والفضل ، وخلصنا من ذلك كله إلى المذهب الحق الذى يجانب ناحيتى الافراط والتفريط في هذه العدالة . علماء الامة إزاء الحديث : ولان الحديث لم ينشأ تدوينه إلا في القرن الثاني كما قلنا وكتبه المشهورة بين جمهور أهل السنة - وهى البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي - لم تظهر إلا في القرنين الثالث والرابع ، وما فيها من الاحاديث قد روى من طريق الآحاد الذى لا يعطى إلا الظن ، فإن علماء الامة لم يتلقوا أحاديثها بمحض التسليم والاذعان ، كما تلقواما جاءهم من آيات القرآن ، ولا اعتبروها من الاخبار المتواترة التى يجب الاخذ بها ، ولا يجوز لاحد أن يخالف عن أمرها ، وإنما طاروا عليها بددا واختلفوا فيها طرائق قددا . فالمتكلمون وعلماء الاصول - لما كان الخبر عندهم ينقسم إلى " متواتر وآحاد " ، والمتواتر هو الذى يعطى العلم اليقيني ويؤخذ به في العقائد فحسب ، والآحاد لا يعطى إلا الظن ، والظن لا يغنى من الحق شيئا ، وببحثهم - لم يجدوا في كتب الحديث خبرا ينطبق عليه حكم التواتر فتكون دلالته يقينية . وإن علماء الحديث لم يعرضوا للبحث فيه لانه خارج عن علمهم . ورأوا ما يأتي من طريق الآحاد - الذى هو ظنى الدلالة ولا يجوز البناء في العقائد على الظن ، فقد ردوا كل حديث لا يتفق مع ما ذهبوا إليه من أصول ، وما وضعوه من قواعد - ومما اتفق عليه جميع النظار : أن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد مهما قويت أسانيدها وتعددت طرقها . وأما مقلدة المذاهب الذين يسمون أنفسهم علماء الفقه فقد كبلهم التقليد فلم يعنوا بكتب الحديث التى ظهرت بعد موت أئمتهم ، ولم يعطوها حقها من البحث والدرس كما أعطوا كتب شيوخهم ، ولم يجعلوها من أدلتهم في أحكامهم ، وإذا وجد أحدهم من الاحاديث - حتى الواهية - ما يتفق ومذهبه تشبث به ورد ما سواه وإن كان أقوى من الحديث الذى يعتمد عليه ، وقد يأخذ ببعض الحديث ويدع بعضا ! أما ما يخالف مذهبه فينبذه ولا يقبله ولو كان مما رواه الجماعة (1) ، وقد
---
(1) الجماعة هم : أحمد ، والشيخان - البخاري ، ومسلم - وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي . (*)
--- [ 25 ]
صفحة ٢٤