هذه هي الكلمة النفيسة التى تفضل الدكتور طه حسين فنشرها عن كتاب (أضواء على السنة المحمدية " بعد ما قرأه . وإذا كان قد وجب على أن أقدم له أخلص الشكر وأعمقه - أن أولى كتابي هذا من بالغ العناية ما جعله يقرؤه غير مرة . فإن مما يسرنى - وأحمد الله عليه - أن سيادته وهو العالم الجليل ، والناقد العظيم . لم يجد شيئا يتجه إليه النقد بين مختلف مواضيع الكتاب - وهي خطيرة - لم يسبق أن حملها كتاب من قبل ، وأن ما بدا من نقده إنما كان " هنات لا بأس على منها " كما صرح بذلك في كلمته (1) . أما هذه الهنات فإنى أضع على هامشها هذا التعليق الوجيز ، وأرجو أن ينال من لدنه رضا وقبولا . كانت أولى هذه الهنات أن الدكتور قد شك في مؤامرة قتل عمر ، وفي أن كعب الاحبار كان ممن اشتركوا فيها ، ولقد ابتسمت عندما قرأت كلامه في ذلك ، وقلت كيف يغيب علم هذا الامر عن مثله وهو العالم النقاب وارتقبت كتابه " الشيخان " لانظر ما سيقول في مقتل عمر ، وما كدت أقرأ ما كتبه في ذلك حتى اطمأننت بما ذكرته في كتابي وحمدت الله أن ألفيت الشك الذى كان قد إعترى الدكتور في أمر مؤامرة قتل عمر قد زال والحمد لله (2) . أما الهنة الثانية فهى أنى قد أسرفت في التأويل عندما قلت : إن أبا هريرة قد أسلم ليملا بطنه . وأنى لم أذكر ذلك إلا لانه قد اعترف بنفسه في كتب الحديث الكثيرة ، ففى رواية البخاري : صاحبت النبي على ملء بطني ، ورواية مسلم خدمت النبي على ملء بطني ، والاعتراف كما يقول أئمة القانون سيد الادلة ، فأنا لم أتأول ولم أسرف في التأويل ، على أن تاريخ أبى هريرة يؤيد اعترافه هذا ، فقبل إسلامه يروى ابن سعد عنه : أنه كان أجيرا لابن عفاف وابنة غزوان بطعام بطنه ، وبعد إسلامه عندما كان نزيلا على الصفة جرى منه ما جرى مما بينه البخاري نفسه وغيره ولا داعى لبيانه هنا .
---
(1) نشرت هذه الكلمة بجريدة الجمهورية الصادرة في يوم الثلاثاء 25 نوفمبرسنة 1958 . (2) ص 256 و257 من كتاب (الشيخان) . 15 (*)
--- [ 16 ]
صفحة ١٥