... فهذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهمين للمنفرجة ، قصيدة الإمام العلامة ، الحبر الفهامة ، العارف بالله ، الرباني ، أبي الفضل يوسف بن محمد بن يوسف التوزري الأصل المعروف بابن النحوي ، على ما قاله العلامة أبو العباس أحمد بن أبي زيد (¬1) البجائي ، شارحها ، أو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الأندلسي القرشي ، على ما قاله العلامة تاج الدين السبكي (¬2) في طبقاته مع نقله الأول عن شارحا المذكور رحمه الله تعالى ، ونفعنا ببركاته ، في شرح يحل ... (¬3) ألفاظها ، ويبين مرادها ، ويكشف لطلابها نقابها ، على وجه لطيف ، ومنهج منيف مختصر من الشرح المشار إليه وغيره ، مع تبديل وتغيير لما يحتاج إلى تحرير ، والله أسأل أن ينفع به ، وأن يجعله خالصا لوجهه ، وسميته بالأضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة ، وهي من السادس عشر (¬4) ، المسمى بالخبب ، الذي تركه الخليل ، واعتبره وأثبته الأخفش وغيره ، وتفعيله فاعلن ثمان مرات ، وسمي بالخبب ؛ لقصر أجزائه ، ولأن تقطيع أبياته يحاكي في السمع ركض الخيل وخببها ، وزحافه الخبن ، وهو حذف الثاني الساكن ، وإذا أسكنت عينه فقيل بالأضرار بعد الخبن ، وقيل بالقطع ، وقيل بالتشعيب على ما هو مبين مع الصحيح منها في محله ، وهذه القصيدة سماها الشيخ تاج الدين السبكي بالفرج (¬5) / بعد الشدة ، قال : وهي مجربة ؛ لكشف الكروب ، وأن كثيرا 3 من الناس يعتقدون أنها مشتملة على الاسم الأعظم ، وأنه ما دعا بها أحد إلا استجيب له ، قال : وكنت أسمع الشيخ الإمام الوالد إذا أصابه أزمة ينشدها ، والظاهر أن ناظمها ابتدأها لفظا ، أو خطا ببسم الله الرحمن الرحيم ، أو بالحمد لله لخبر : كل أمر ذي بال ، لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم ، وفي رواية بالحمد لله ، فهو أجذم ، أي مقطوع البركة ، ثم قال مخاطبا لما لا يعقل ، كقوله تعالى : [ يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ] (¬1) .
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج
اشتدي يا أزمة : أي يا شدة ، وهي ما يصيب الإنسان من الأمور المقلقة من الأمراض وغيرها تنفرجي بالجزم جوابا للأمر ، أي تذهبي ، بمعنى يذهب همك عنا ، وهذه براعة استهلال ، وهي أن يكون المطلع على ما بنيت عليه القصيدة ونحوها ، كأنه بنى قصيدته على سلوك طريق الآخرة ؛ لتصفية القلب ، ورياضة النفس ، ومضمون البيت أن الشدة يعقبها الفرج ، فقد أنبأ عما قصده ؛ لأن سلوك طريق الآخرة فيه على النفس أعظم مشقة يعقبها أتم الفرج . قد آذن بالمد ،وفتح المعجمة : أي أعلم ليلك بالبلج : أي ضياء الصبح ، استعارة للفرج ؛ لاشتراكهما في الإذهاب ، والتحصيل ؛ لأن الضياء يذهب الظلمة ، والفرج يذهب الحزن ، ويحصل بكل منهما السرور ، وعطف على الجملة السابقة قوله :
صفحة ٣