نصيحة لطالب الحق - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
محمد أجمل الإصلاحي
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
الهوى بعد ذلك لعروضِ سبب من أسبابه، وهي كثيرة. ومتى بان له الميل فليبحث عن سببه، فإن وثِق بأنه لبرهان يقيني لا يحتمل النقيض بوجهٍ من الوجوه فليس هذا بهوًى، فإن كان معه هوًى فهو هوًى وافق الحق. وإن كان ليس إلا لدليل غير قاطع فليقلْ لنفسه: دَعِي عنكِ الهوى، فأنا الآن في مقام النظر، ولعلّي أجد دليلًا مخالفًا لذاك أقوى منه. وإن كان لدليلٍ لا يُعتدّ به، أو لأمرٍ آخر ليس بدليلٍ أصلًا، أو لم يتبيَّن له السبب، فذلك هو الهوى الذي من شأنه أن يُعمي ويُصِمّ. وطريق النجاة حينئذٍ أن يبدأ فيجاهد نفسه في اقتلاع ذلك الهوى منها، فإن عجز فليعرف ذلك الهوى، وليخش أن يكون ما يلوح له معه أنه دليل ليس إلا شبهة قوَّاها الهوى، قال الله ﵎ في الكفار: ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأعراف، ٣٠، الزخرف: ٣٧].
وبالجملة فمسالك الهوى دقيقة، والسلامة منه عزيزة، والتمييز معه بين الحجة والشبهة صعب. لكن من صدقت رغبته في إصابة الحق، وبذل وسعه في جهاد نفسه، وتضرَّع إلى الله ﷿ سائلًا منه التوفيق، فإن الله ﵎ يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [خاتمة العنكبوت].
وعسى أن يكون بذلك قد أخذ بحظ وافر من التقوى المعنية بقول الله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: ٢٩].
22 / 259