أضواء على القرآن الكريم (بلاغته وإعجازه)
الناشر
الجامعة الإسلامية
رقم الإصدار
السنة الثانية عشر - العدد السادس والأربعون - ربيع الآخر- جمادى الأولى - جمادى الثانية
سنة النشر
١٤٠٠هـ
مكان النشر
المدينة المنورة
تصانيف
مكان وبذلك نشرت صفحات جديدة مشرقة ناضرة في تاريخ الإنسانية، وكان لها من وراء ذلك ميلاد حضارة جديدة.
إنه ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة، تذكر الدنيا فمنها عمادها ونظامها، وتصف الآخرة فمنها جنتها وضرامها، ومتى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجه الغيوب، وإن أوعدت بعذاب الله جعلت الألسنة ترعد من حمى القلوب.
ومعانٍ بَيْنا هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان، بينا هي تمثل للمذنب حقيقة الإنسانية حتى يظن أنه صنف آخر من الإنسان، إذ هي بعد ذلك إطباق السحاب انهارت قواعده والتمعت ناره وقصفت في الجو رواعده، وإذ هي السماء وقد أخذت على الأرض ذنبها، واستأذنت في صدمة الفزع ربها، فكادت ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة: وإنما هي زجرة واحدة، فإذا الخلق طعام الفناء وإذا الأرض مائدة...١.
ولقد كانت للرسول العظيم ﵊ معجزات كثيرة تدل على صدقه، وأنه مرسل من قبل الله تعالى، فالمعجزة مختصة بالنبي دائما، وتقترن بالتحدي، ومن ثم لا يمكن تحصيلها بالجهد أو الاكتساب.
وكذلك للأنبياء معجزات ظهرت على أيدي كثير منهم، بيد أن معجزة النبي محمد ﷺ تفوق معجزات غيره سواء من حيث العدد أو من حيث الأهمية.
فإذا كان الله أظهر معجزة لموسى هي أن يضرب البحر فانفلق في الأرض.
فكذلك أظهر لمحمد ﵊ فانشق له القمر في السماء.
وكما فجر لموسى ﵇ الماء من الحجر، فقد فجر لمحمد ﷺ من أصابعه عيونا.
وكما ظلل على موسى ﵇ بالغمام، فقد ظلل محمدا ﷺ كذلك بالغمام.
وكما جعل من معجزات موسى ﵇ اليد بيضاء، فقد جعل من معجزات محمد ﷺ القرآن.
وكما سبحت الجبال مع داود ﵇ فقد سبحت االأحجار في يد الرسول ﷺ.
وكما سخر الله لداود الطير المحشورة، سخر لمحمد البراق يطير في السماء.
وكما جعل من معجزات عيسى ﵇ إبراء الأكمه والأبرص..فقد جعل شبيها بذلك لمحمد ﷺ، فقد سقطت حدقة رجل في غزوة أحد فرفعها وردها إلى مكانها.
وانقادت الجن لسليمان، وانقادت كذلك للرسول ﷺ.
ومعجزات النبي محمد ﷺ أكثر من أن تحصى، ويمكن أن نضيف إلى ما ذكرناه، حنين الجذع وانقياد الأغصان، وجعل قليل الطعام كثيرا، كل ذلك على مشهد من الناس
_________
١ إعجاز القرآن ص٢٦ للرافعي.
1 / 92