كان الفلاسفة في عصر سميث يبحثون عن تفسيرات عقلانية لما يجعل الأفعال مقبولة أو مرفوضة. على الجانب الآخر، كان سميث يعتقد أن مبادئنا الأخلاقية ليست محددة بدقة إلى هذا الحد، وإنما هي أمر طبيعي متأصل فينا باعتبارنا كائنات اجتماعية؛ فكل منا يشعر بالتعاطف (أو بالمشاركة الوجدانية ) مع الآخرين
1
على الفور دون زيف، بل تلقائيا وبحب للخير. فننظر إلى أنفسنا في مخيلتنا وكأننا في مكان الآخرين؛ فإذا رأينا بأن أحدهم على وشك الاصطدام فإننا نجفل هلعين، وإذا رأينا أحد لاعبي الأكروبات وهو يمشي على حبل مرتخ، فإننا نتلوى معه، وعندما نرى الناس سعداء أو تعساء، فإننا نشاركهم الشعور بالمثل.
وعلى نحو مشابه، نشارك الآخرين وجدانيا عندما نراهم يتصرفون بطرق نوافق عليها. وفي الحقيقة، إننا نشعر بسعادة حقيقية عند مشاركة العواطف والآراء مع الآخرين،
2
وعندما لا نشارك الآخرين عواطفهم، أو لا نوافق على أفعالهم، فإن التعاسة تصيب الطرفين كليهما.
مع ذلك، يرى سميث أن العاطفة نفسها ليست هي ما نتشاركه مع الآخرين، وإنما الموقف الذي انبثقت منه هذه العاطفة؛ فعندما نرى شخصا غاضبا، فالمرجح أننا نخاف على الضحايا المحتملين لغضبه أكثر من أن نشاركه الغضب، وقد يكون ذلك على الأقل إلى أن نعلم حقيقة الأمر ونصل لقرار بشأن إلى أي مدى كان غضبه مبررا. وإذا شعرنا بأن أحدهم قد بالغ في رد فعله تجاه حادثة معينة، فإنه يخسر مشاركتنا الوجدانية. (2-1) عدم توافق المشاعر وضبط النفس
يلاحظ سميث أننا - كمجرد مراقبين - نعجز عن مشاركة الآخرين بالكامل حدة مشاعرهم، كالغضب العارم لمن تعرض للاعتداء مثلا، أو الأسى العميق لمن فجع بحبيب منذ وقت قريب؛ فعاطفتنا الناتجة عن مشاركة الآخرين وجدانيا هي أضعف حتما وأقل حدة، وإن كانت تخلو من الزيف. لكن الآخرين مراقبون لمشاعرنا كما أننا مراقبون لمشاعرهم، وعندما يحدث تنافر وعدم توافق بين مشاعرهم ومشاعرنا، كما في الحالتين السابقتين، فإنهم سيشعرون بالتعاسة، وهذا بدوره سيحثهم على كبح جماح عواطفهم الأصلية من أجل الوصول إلى اتساق أكثر مع رؤيتنا لما يمرون به من أزمة.
إننا نتعلم ضبط النفس هذا أثناء سيرنا في دروب الحياة؛ فطبيعي أن نرى الأشياء من منظور الآخرين، ونعلم بأن الإفراط في الشعور بالغضب أو الأسى أو المشاعر الأخرى تصيبهم بالتعاسة؛ ولذلك فإننا نحاول كبح جماح مشاعرنا لجعلها متوازنة مع مشاعر الآخرين؛ وفي الواقع نهدف إلى تلطيفها لتصل إلى النقطة التي تجعل أي شخص عادي غير متحيز - وهو «المراقب المحايد» عند سميث - يتعاطف معنا ويشاركنا وجدانيا.
وبالمثل، عندما نبرز اهتمامنا بالآخرين، فإننا نعلم بأن المراقب المحايد سيوافق على ذلك ونسعد لذلك. وقد يكون المراقب المحايد شخصا حقيقيا أو مجرد خيال، لكنه يستمر في إرشادنا، ومن خلال الخبرة نقوم تدريجيا ببناء منظومة من تقاليد السلوك وأعرافه - وهو ما يعرف بالمبادئ الأخلاقية - وهذا يساعد المجتمع على الازدهار الذي تتأصل فيه المشاركة الوجدانية:
صفحة غير معروفة