لكن يجب على أرباب العمل ألا ينسوا أن إبقاء الأجور متدنية إنما هو إجراء اقتصادي مضلل؛ فالأجر الأعلى والظروف الأفضل من شأنها أن تؤدي إلى رفع الإنتاجية؛ مما يولد عائدات أعلى.
يرى سميث أن أكثر ما يفيد العامل هو الدخل الوطني المرتفع ونمو رأس المال؛ لأنهما يؤديان إلى ارتفاع الأجور. فصاحب الأرض الذي يتمتع بفائض في العائدات سيوظف عددا أكبر من الخدم، والحائك والإسكافي الذي يحصل على فائض من رأس المال سيوظف من يساعده في عمله. وبعبارة أخرى، إن الطلب على العمل يزداد إذا ازدادت الثروة الوطنية فقط، وإن «المردود الوافر للعمل» يعتمد بشكل كامل على النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، فإن المعيار الحقيقي للأجور يتعلق بمقدار ما تشتريه الأجور، ويلاحظ سميث هنا أنه على الرغم من أن الضرائب أدت إلى ارتفاع أسعار الشموع والجلود والمشروبات الكحولية وغيرها من الكماليات في عصره، فإن أسعار الطعام والضروريات الأخرى أخذت في الانخفاض بفضل منظومة السوق، وقد أدى ذلك إلى مساعدة الفقير بشكل خاص، وهو أمر ليس سيئا، باعتبار أنه «ليس هناك من مجتمع يمكن أن يكون مزدهرا وسعيدا، بينما يرزح معظم أبنائه تحت طائلة الفقر والبؤس».
16 (2-8) أسعار الأجور في السوق
نظريا - كما يذهب سميث - من المفترض أن تميل عوائد العمل إلى التكافؤ. فإذا كانت تجارة ما تحقق مردودا أعلى، فسينهمر عليها الناس من المجالات الأخرى، وسيتوجب على السوق أن يبادر سريعا إلى تصحيح اختلال التوازن. لماذا إذن تتباين الأجور على أرض الواقع؟
يجيب سميث عن هذا السؤال بأنه يجب ألا نقتصر في التحليل على المردود «المالي»، وإنما ينبغي علينا أن نضم إليه المردود غير المالي أيضا؛ فبعض المهن شاقة أو غير مقبولة (ولهذا يحصل الجزار والجلاد على أجر أعلى من أجر الحائك)، وبعض المهن تعتمد على مواسم معينة (كالعمل في البناء)، وبعضها (كالطب) تتقاضى أجرا عاليا؛ لأنها تتطلب ثقة عالية من الجميع، وبعضها تكلف مبالغ طائلة لتعلمها (كالمحاماة)، وبعضها قد تكون فرص النجاح فيها ضئيلة (كمغني الأوبرا). إن هذه العوامل جميعها سوف تحدث تأثيرا في سعر سوق العمل في مهن بعينها. (2-9) الأجور والسياسة
لكن العوامل «السياسية» تؤثر في الدخل والربح أيضا؛ فالضوابط التنظيمية تمنع الناس من العمل في مهن معينة. ويعرض سميث للوائح التي تمنع صانع السكاكين في مدينة شفيلد من أن يكون له أكثر من صبي، أو تمنع الحائك في نورفولك أو صانع القبعات في إنجلترا من أن يكون لدى كل منهما أكثر من صبيين. إن حواجز العمل في هذه المهن تحافظ على استقرار دخل القلة الذين يؤهلون صبيتهم ليكونوا صانعي سكاكين أو حائكين أو صانعي قبعات، لكن ذلك لا يحدث إلا بسرقة أشخاص آخرين ل «السمات المقدسة» التي ينطوي عليها جهدهم. وتمنع هذه الحواجز أيضا انتقال العمال من المهن المتدهورة إلى المهن التي تكون في حاجة إليهم أكثر.
يشتهر سميث بتأكيده على أن «المنخرطين في المهنة نفسها نادرا ما يلتقون، حتى وإن كان ذلك للمتعة واللهو، لكن حواراتهم إن التقوا تنتهي دائما بالتآمر على الناس، أو إلى ابتكار أمر ما يؤدي إلى زيادة الأسعار».
17
لكن سميث استطرد على الفور وبادر سريعا إلى القول بأن السياسيين والقانون شريكان في ذلك؛ لأنهما يشرعان ويفرضان الضوابط التي تجعل مثل هذا التآمر أكثر ترجيحا وفاعلية؛ وبذلك يشير سميث إلى الامتيازات التي تتمتع بها الرابطات العمالية الحرفية (أو ما يدعوه «الاتحاد النقابي»)، والتي فرضت منذ العصور الوسطى طوقا منيعا لحماية احتكاراتها، وحصرت حق الانضمام للحرف وشروط ذلك، واحتفظت بسجلات لأسماء من حصلوا على ترخيص مزاولة الحرفة، وجمعت الأموال من أعضائها لتحسين المستوى المعيشي للفقراء منهم.
صفحة غير معروفة