فعبس الأب أمبروسيوس، وقال: لا تحمل ضميري ثقلا؛ فإني كاهن الله ورجل شيخ، ولا مطمع لي في هذه الدنيا، وإنما مطمعي في الآخرة، فاقفل هذا الباب ولا آخذ منك إلا ما تجود به نفسك بعد أن أكللك. - وإذا جعلنا الخمسمائة ألفا؟ - ولو جعلتها ثلاثين ألفا، فإني مكلف بواجب مقدس يجب أن أنفذه بالأمانة.
ففكر فهيم هنيهة ثم قال: إن المبلغ كبير وليس في وسعي تدبيره. - إذن لا تؤاخذني إذا أخذت الفتاة وحرصت عليها حتى تنتهي مدة وصايتي عليها، وبعد ذلك فلتفعل ما تروم.
وهم الكاهن أن يقف فغمز جورجي فهيما كأنه يقول له: لا تدعه يخرج، ثم قال جورجي: مهلا يا أبانا، إن الثلاثين ألفا ليست شيئا عند سعادة فهيم بك، تفضل اجلس إلى أن ننتهي عند نتيجة.
فالتفت الأب إلى فهيم بك، فقال هذا له: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. - لا بد من الثلاثين ألفا مهرا للفتاة يا بني، إني مسئول عن الفتاة أكثر منها عن نفسها. - ليكن ما تريد يا أبانا، فمتى يكون الإكليل؟ - حالما تضع في يدي تحويلا على البنك باسم هيفاء. - غدا إن شاء الله يكون التحويل في يدك. - وغدا أكللكما. - أين؟ - حيث تكون الفتاة، إني أصطحبك إليها، ويكون المسيو جورجي الشاهد الواحد ومرأة أخرى الشاهد الثاني. - أين نلتقي؟ - غدا يأتي المسيو جورجي ويصطحبك إلى حيث أكون. - حسن.
وفيما كان المجلس يرفض أسر جورجي إلى فهيم قائلا: ماذا جرى بدعد؟ - أظنها خلعت ثوب عارها ونفت من الوجود الشاهد العدل عليه. - الحمد لله، كل شيء مدبر كما نروم. - إني أذكر دائما فضلك يا جورجي، وغدا أراك. - أكثر الله خيرك يا بك.
فخ لذئبين
في صباح اليوم التالي كان جورجي في منزل ماري الجهوري، فقال لها: إن العريس يود أن يزوركم الليلة لكي يبت المسألة، فقد عقد النية على خطبة دعد. - إني شاكر لك اهتمامك يا مسيو جورجي، ولكني لا أقدر أن أستقبله الليلة. - لماذا؟ - لأن ... أما أخبرك فهيم بك؟ - لا، ماذا؟ - قضي الأمر. - حسن، كيف ذلك؟ - استحضر فهيم بك دواء عن يد طبيب وجرعها إياه. - من هذا الطبيب؟ - لم يقل عن اسمه. - و...؟ - في الحال، ولكني خائفة على سلامتها. - لماذا؟ - إنها محمومة الآن والعاقبة خطرة، إني قلقة جدا. - يجب أن تستدعي طبيبا. - رباه أخاف الافتضاح. - لا تخافي، استدعي الدكتور صديق الهيزلي، فهو بارع وطيب جدا. - صديق الهيزلي؟ أما هو قريب سليم؟ - ابن عمه. - يا لله! وإذا عرف سليم الأمر؟ - أن يعرف الآن أفضل من أن يعرف بعدئذ. - ولكن ... - لا تخافي، لا يحجم وأنا فوق رأسه ألعب بدماغه، وقد مهدت له سبيل العلم بالأمر، لا تخافي، افعلي كما أقول لك، العلاج عن يد ابن عمه أفضل منه عن يد طبيب غريب. - أخاف أن الدكتور ينفره. - لا تخافي؛ لأن الدكتور يحب المال جدا، وقد يتنازعان كلاهما دعدا، لا تخافي، العشرة آلاف جنيه تغر. - سأنتظر نهاية هذا اليوم، فإن اشتدت أزمتها استدعيته. - حسن، فإذا اضطررت إلى استدعاء طبيب لا تستدعي أحدا غير الدكتور صديق الهيزلي، ولكن لا تدعيه يفهم شيئا عن علاقة فهيم بك بالمسألة.
الفخ من نار
في مساء اليوم التالي نحو الساعة الحادية عشرة، كان فهيم بك رماح وجورجي آجيوس في مركبة تدرج بهما في شارع شبرا إلى أن استوقف جورجي الحوذي أمام منزل العجوز اليونانية التي أودع هيفاء عندها.
ولما دخلا في الباب قال فهيم: عجيب أن تكون هيفاء قريبة منا ولا نعلم بمقرها. - ألا تعلم يا فهيم بك أن الأسرار مغطاة بقشة كما يقال؟
صفحة غير معروفة