وقد أرد المياه بغير هاد
سوى عدي لها برق الغمام
أقمت بأرض مصر فلا ورائي
تخب بي المطي ولا أمامي
يقول لي الطبيب أكلت شيئا
وداؤك في شرابك والطعام
وما في طبه أني جواد
أضر بجسمه طول الجمام
ومن تلا المتنبي من الشعراء واصل وصف مصر باعتبارها الروضة الجميلة أو البستان المزهر، وقد تضمن كتاب حوادث الدهور لأبي المحاسن المذكور (الجزء الأول، دار الكتب، رقم 2397) بعض الأبيات عن النيل ومصر، نقتطف منها ما يؤكد استمرار الصورة الأولى لمصر، والتي تبرز في بعض الكتب مثل فضائل مصر للكندي، أو تلك الرواية الغريبة التي أوردها النويري في نهاية الأرب (ج1، ص347) عن قول منسوب لآدم عليه السلام:
قال عبد الله بن عمرو: لما خلق الله عز وجل آدم، مثل له الدنيا شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، أنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلما رأى مصر، رآها أرضا سهلة ذات نهر جار، مادته من الجنة، تنحدر فيه البركة، ورأى جبلا من جبالها مكسوا نورا لا يخلو من نظر الرب عز وجل إليه بالرحمة، في سفحه أشجارا مثمرة، فروعها في الجنة تسقى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: «يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسكة تدفن فيها عرائس الجنة. أرض حافظة مطبقة رحيمة. لا خلتك يا مصر بركة، وما زال بك حفظ، وما زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخباء والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلا ...»
صفحة غير معروفة