الإهداء
يا سيد الشهداء وشهيد الاباء ، اقدم لأعتابك هذه المجموعة الفواحة رمزا للوفاء ، فما أتمتع به من عزة وكرامة وعافية وسلامة كانت من اشعاعاتك التي تضفيها علي بجاهك العظيم عند الله تعالى.
فتقبل يا سيدي بعض ما يجب من ولدك.
المؤلف
صفحة ٥
تصدير :
* بسم الله الرحمن الرحيم
** وبعد :
فان كلمتي هذه ليست مقدمة بمعناها الصحيح ، ولا تقريظا لهذه المجموعة ، او تعرفا لها ، او ثناء على من جمعها ، وان استوجب الشكر على ما بذل من جهد ، وانما تبحث هذه الكلمة :
اولا : هل يقدس الشيعة شخص الحسين بالذات ، او ان اسم الحسين عندهم رمز لشيء عميق الدلالة ، تماما كما يرمز العاشق بالغزال الى محبوبته؟.
ثانيا : هل انعكس شيء من اشراقات الحسين (ع) وروحه في نفوس الذين يهتفون باسمه ليل نهار في هذا العصر ويحتفلون بذكراه ، وينصبون لها السرادقات ، ويقيمون لها الحفلات ، وينفقون عليها الالوف؟.
صفحة ٧
ثالثا : هل خطباء المنبر الحسيني يؤدون مهمتهم كما ينبغي؟.
** الحسين رمز :
قد يبدون للنظرة الأولى ان كلمة الحسين تعني عند الشيعة المعنى الظاهر منها ، وان دلالتها تقف عند ذات الحسين بن علي وشخصه ، وان الشيعة ينفعلون بهذه الشخصية الى حد الجنون .. ولكن سرعان ما تتحول هذه النظرة الى معنى اشمل واكمل من الذات والشخصيات لدى الناقد البصير ، ويؤمن ايمانا لا يشوبه ريب بان كلمة الحسين تعني عند الشيعة مبدأ الفداء ونكران الذات ، وان الحسين ماهو الا مظهر ومثال لهذا المبدأ في اكمل معانيه .. ودليل الادلة على هذه الحقيقة هو ادب الشيعة انفسهم .. فلقد كان الادب ، وما زال الصورة الحية التي تنعكس عليها عقيلة الامة وعقيدتها ، وعاداتها وبيئتها.
واذا رجعنا الى التراث الادبي لشيعة اهل البيت وجدناه يعكس الاحتجاج الصارخ على الظلم والظالمين في كل زمان ومكان ، والثورة العنيفة في شرق الارض وغربها ، وان ادباء الشيعة ، وبخاصة شعراءهم يرمزون باسم الحسين الى هذه الثورة ، وذاك الاحتجاج ، لان الحسين اعلى مثال واصدقه على ذلك ، كما يرمزون الى الفساد والطغيان بيزيد وبني حرب وزياد وامية وآل ابي سفيان ، لانهم يمثلون الشر بشتى جهاته ، والفساد بجميع خصائصه على النقيض من الحسين .. واليك هذه
صفحة ٨
الابيات كشاهد ومثال :
فمن قصيدة لاديب شيعي :
سهم رمى احشاك يابن المصطفى
سهم به قلب الهداية قد رمي
ومن قصيدة لآخر :
بنفسي رأس الدين ترفع راسه
رفيع العوالي السمهرية ميد
ولثالث :
اليوم قد قتلوا النبي وغادروا الا
سلام يبكي ثاكلا مفجوعا
فهذه الابيات والالوف من امثالها تنظر الى الانسان نظرة شاملة واعية ، وتزخر بالثورة على كل من ينتهك حقا من حقوق الناس ، وترمز الى هذه الحقوق بكلمة الحسين ، وتعبر بقلبه عن قلب الهداية ، وبراسه عن رأس الدين ، وبقتله عن قتل رسول الله ودين الله .. واستمع الى هذه الصرخة الغاضبة يطلقها الشيخ احمد النحوي في وجوه حكام الجور الذين اتخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا :
عجبا لمال الله اصبح مكسبا
في رائح للظالمين وغاد
فيزيد وزياد رمز لكل من يسعى في الارض فسادا ، واوضح الدلالات كلها هذا البيت :
صفحة ٩
فانه ينطبق على كل من يتولى منصبا ، وهو ليس له باهل .. وبهذا نجد تفسير الابيات التي يستنهض بها الشعراء صاحب الامر ليثأر من قاتلي الحسين ، ويفعل بهم مثل ما فعلوا ، وهم يقصدون بالحسين كل مظلوم ومحروم ، وبقاتليه كل ظالم وفاسد ، وبصاحب الامر الدولة الكريمة العادلة التي تملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا واليها يرمز السيد الحلي بقوله :
لاتطهر الارض من رجس العدى ابدا
ما لم يسل فوقها سيل الدم العرم
هذا ، الى ان الحسين (ع) قد مضى على استشهاده ألف وثلاثمئة سنة او تزيد ، ومن يومه الى يومنا هذا ، والاجيال من قوميات شتى ينظمون فيه الاشعار بالفصحى وغير الفصحى ، وقد تغيرت الحياة ومرت بالعديد من الأطوار ، وقضت على الكثير من العادات الا الاحتفال بذكرى الحسين ، والهتاف باسم الحسين نثرا وشعرا ، فانه ينمو من عصر الى عصر ، تماما كما تنمو الحياة ، وسيستمر هذا النمو والسين في يستمر للتأكير لا للتقريب قياسا للغائب على الشاهد .. وما عرفت البشرية جمعاء عظيما من ابناءها قيل فيه من الشعر ما قيل في الحسين بن علي (ع).. ولو تصدى متتبع للمقارنة بين ما نظم فيه ، وما نظم في
صفحة ١٠
عظماء الدنيا مجتمعين لتعادلت الكفتان ، او رجحت كفة الحسين ، وما هذه المجموعة ( الشبرية ) الا نقطة من بحر ، وحبة من رمل ، والسر الاول والاخير يكمن في المبدأ الذي مضى عليه الحسين ، واشار اليه بقوله ؛ وهو في طريقه الى ربه : ( امضى على دين النبي ): اذن ، تعظيم الحسين تعظيم لدين النبي.
وقد يقال : ان مسألة النظم في الحسين (ع) مسألة طائفية ، لا مسألة اسلام وانسانية؟.
ونقول في الجواب : ان تمجيد الثورة ضد الظلم والطغيان هو تمجيد للانسانية نفسها ، حتى ولو كان الدافع الطائفية او الحزبية او القومية ، فان الثورة الفرنسية والجزائرية والفيتنامية ثورات قومية ، ومع ذلك فهي انسانية ، ومصدر الإلهام لكثير من الثورات.
وبهذه المناسبة انقل هذا المقطع من كتابي ( الاثنا عشرية ):
ان التطور لم يقف عند حدود المادة ، بل تعداها الى الافكار واللغة ، لانها جميعا متلازمة متشابكة لا ينفك بعضها عن بعض ، وكلمة الحسين كانت في البداية اسما لذات الحسين بن علي (ع) ثم تطورت مع الزمن ، واصبحت عند شيعته وشيعة ابيه رمزا للبطولة والجهاد من اجل تحرير الانسانية من الظلم ولااضطهاد ، وعنوانا للفداء والتضحية
صفحة ١١
بالرجال والنساء والاطفال لإحياء دين محمد بن عبد الله ، « ص » ولا شيء اصدق في الدلالة على هذه الحقيقة من قول الحسين : امضي على دين النبي.
اما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسما لابن معاوية ، وهي الآن عند الشيعة رمز الفساد والاستبداد ، والتهتك والخلاعة ، وعنوان للزندقة والالحاد ، فحيثما يكون الشر والفساد فثم اسم يزيد ، وحيثما يكون الحق فثم اسم الحسين .. فكربلاء اليوم عند الشيعة هي فلسطين المحتلة وسيناء والضفة الغربية من الاردن ، والمرتفعات السورية ، اما اطفال الحسين وسبايا الحسين فهم النساء والاطفال المشردون من ديارهم .. وشهداء كربلاء هم الذين قتلوا دفاعا عن الحق والوطن في 5 حزيران. وهذا ما عناه الشاعر بقوله :
كأن كل مكان كربلاء لدى
عيني وكل زمان يوم عاشورا
** اين روح الحسين؟ :
ونخلص من هذا الى نتيجة لا مفر منها ، وهي ان اية ثورة على الظلم والطغيان تقوم في شرق الارض وغربها فهي ثورة حسينية من هذه الجهة ، حتى ولو كان اصحابها لايؤمنون بالله واليوم الآخر .. فان الظلم كريه وبغيض بحكم العقل والشرع ، سواء أوقع على المؤمن ام الكافر ، وان اي انسان ضحى بنفسه في سبيل الخير والانسانية فهو حسيني في
صفحة ١٢
عمله هذا ، وان لم يسمع باسم الحسين ، لان الانسانية ليست وقفا على دين من الاديان ، او قومية من القوميات.
وعلى هذا فالفيتناميون الذين يموتون من اجل التحرر والتقدم ، وصد الغزاة الغاصبين يلتقون مع الحسين في مبدأه ، وان لم يسمعوا باسمه ، ومن لا يهتم الا بنفسه وذويه ، ويساند اهل البغي والفساد حرصا على منفعته فهو على دين يزيد وابن زياد ، وان لطم وبكى على الحسين ان الحسيني حقا من يؤثر الدين على نفسه واهله ، ويضحي بالجميع من اجله ، تماما كما فعل الحسين ، اما من يكيف الدين والمذهب على اهوائه تماما كما يقطع الثوب على مقدار طوله وعرضه ، اما هذا فما هو من الحسين ودين الحسين في شيء.
وتقول : كيف؟ وهذه الحرقة واللوعة ، وهذا الدمع والعويل على الحسين ، هل هو رياء ونفاق؟.
واقول : كلا ، هو صدق واعتقاد ، ولكن الشيطان يوهمه ان الدين هو مجرد البكاء على الحسين وزيارة قبر الحسين (ع).. وفيما عداه فالدين هو منفعته ومنفعة اولاده وذويه .. ودليل الادلة على ذلك انه حينما تصدم هذه المنفعة مع مبدأ الحسين يؤثرها على الحسين وجد الحسين .. ان حب الذات يفصل الانسان عن نفسه ، ويبعده عن واقعه ، وينتقل به الى عالم لا وجود له الا في مخيلته وعقيدته ، ويوهمه انه
صفحة ١٣
اتقى الاتقياء ، وهو أفسق الفاسقين ، وانه اعقل العقلاء ، وهو اسفه الجاهلين.
ومن يدري اني اصف نفسي بنفسي ، من حيث لا اشعر .. واقول .. ان هذا ليس بمحال ، وانه جائز على كل انسان غير معصوم كائنا من كان ويكون .. ولكني اقسم جازما اني اتهم نفسي واحاكمها كثيرا ، واتقبل الحكم عليها من كل منصف خبير ، فهل يتفضل السادة الكبار ، بل والمراهقون منهم والصغار ، هل يتفضلون بقبول الرجاء من هذا العبد الفقير الذي يتهم نفسه ان يتهموا انفسهم ، ويراجعوها ، ويقفوا منها موقف الناقد البصير ، تماما كما يتهمون غيرهم ، او ان حضراتهم يصرون على انهم فوق الشبهات ، لان الراد عليهم راد على الله؟ .. ومهما شككت ، فاني على يقين بان من ينظر الى نفسه بهذه العين فهو من الذين عناهم الله بقوله : « قل هل انبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا » 105 الكهف.
** خطباء المنبر الحسيني :
كان المنبر فيما مضى الوسيلة الكبرى للدعاية والاعلام ، ثم تطورت وسائل النشر الى الكتب ، ومنها الى الصحف والمسرح والاذاعة ، ثم
صفحة ١٤
الى التلفزيون والروايات والالواح الفنية ، والبعثات التبشيرية ، واخطر الوسائل كلها اولئك المأجورون الذين يقبضون في الظلام من اعداء الدين والوطن ؛ ويمشون بين الناس كالشرفاء .. وان لي مع هؤلاء لموقفا اجمع واوجع.
والشيعة لا يملكون من وسائل الاعلام الا المنبرا لحسيني وبعض المؤلفات ، ولكن جماهير منبر الحسين لا يحلم بها كاتب ومؤلف ، وهو سلاح له خطره ومضاؤه في محاربة الباطل واهله ، والزندقة والالحاد ، لان الهدف الاول من هذا المنبر ان يبث في الناس روح الحسين ، حتى اذا رأوا باطلا قاوموه وحقا ناصروه ، ومن هنا كان العبء ثقيلا على خطباء المنبر الخطير الا على الاكفاء منهم .. والحق ان بعضهم أدوا المهمة على وجهها ، واهتدى بهم الكثير من الشباب الى سواء السبيل ولكن هؤلاء وللاسف قليلون جدا ، والاكثرية الغالبة مرتزقة متطفلون ، او ممثلون لايهتمون بشيء الا بعاطفة المستمع وميوله ، تماما كالمهرج ، يقف على خشبة المسرح ليؤنس المتفرجين ويضحكهم. ويجهلون او يتجاهلون ان كمهمة المرشد الواعظ كمهمة الطبيب الجراح يستأصل بمبضعه الداء من جذوره ، ولا يكترث باحتجاج المريض وصراخه.
صفحة ١٥
والحديث عن قراء التعزية وخطباء المنبر الحسيني متشعب الاطراف ، بخاصة عن الذين لا يشعرون بالمسئولية ، ولا يقدرون لهذا المنبر هيبته وقداسته ، وما رأيت احد تناول هذا الامر بالدرس والبحث ، وعالجه معالجة موضوعية ، مع انه جدير بالاهتمام لتأثيره البالغ في حياتنا وعقيدتنا.
ولو وجدت متسعا من الوقت لتصديت ، ووضعت النقط على الحروف ، مع مخطط شامل يفي بالغرض المطلوب .. واكتفي الآن بهذه النصيحة ، وهي ان يجعل الخطيب نصب عينيه قول سيد البلغاء ، وامام الخطباء (ع):
( لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجها آذان السامعين ). هذا هو مقياس البلاغة الذي يحفظ للكلمة شرفها .. وهو واضح وبسيط ، كلام يتفق مع القلوب والآذان ، ولا شيء وراء ذلك.
وختاما نسجل تقديرنا لخطيب المنبر الحسيني الكفؤ صاحب هذه المجموعة التي ضاعفت حسناته بعدد ابياتها ، وشهدت له بالتتبع وسعة الاطلاع. والله سبحانه المسئول ان يجعلنا مع الذين جمعوا وخطبوا ، ونظموا وكتبوا في الحسين (ع) ودعا دعوته لوجه الله والانسانية.
بيروت في 1 / 1 / 1969
صفحة ١٦
* بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف :
هذه الموسوعة تعطيك أوضح الصور عن أدب الشيعة وعن عقائدهم واتجاهاتهم وتمثل اصدق العواطف عن احاسيسهم ومشاعرهم فليس في الدنيا وقعة كوقعة الحسين هزت العالم هزا عنيفا وأثرت أثرها الكبير في النفوس واهاجت اللوعة واستدرت الدمعة بل هي التي كونت فيهم هذا الادب الثر والشعور الفياض وخلقت منهم اكبر عدد من الشعراء حتى قيل ان الادب شيعي وقيل : وهل وجدت اديبا غير شيعي. ذلك لأن الكبت والالم يدفعان الانسان للنظم وتصوير الحال بلسان المقال وما دام المرء يشعر بالثأر وحرارة الثكل لا ينام عن ثأره فيندفع يصور حاله معددا آلامه مسامرا أحزانه في لياليه وأيامه وفي خلواته ومجتمعاته.
ولا اريد ان أجمع كل ما جاء من شعر الشعراء في الامام الحسين ويوم الحسين ولا اقدر ان اقوم بذلك بل غايتي ان اعرض نماذج من شعرهم واعدد أسماءهم
صفحة ١٧
وادوارهم وعصورهم فكثيرا ما أسمع عن أدباء هذا العصر ان فلانا يكتب عن أدب الطف ولكن لا ارى لذلك اثرا لذا بادرت لسد هذا الفراغ مستعينا بالله سيما وان بعض هذا المجموع كنت قد حفظته عن ظهر غيب ورويته في الأندية الحسينية فان الخطيب الحسيني عندما يريد مزاولة الخطابة تكون نواة عمله وأساس خطابته هو الالمام بمعرفة الشعر الحسيني وحفظه عن ظهر غيب وإنشاده في المحافل الحسينية باللون الذي امرنا الأئمة بانشاده وعلى الطريقة المشجية.
نعم ان الشعر الذي قيل في يوم الحسين عليه السلام يحتاج الى مئات المجلدات إذا أردنا استقصاءه وجمعه ، وإن شاعرا واحدا وهو الشيخ أحمد البلادي من شعراء القرن الثاني عشر الهجري نظم الف قصيدة في رثاء الإمام الحسين عليه السلام ودونها في مجلدين ضخمين كما روى ذلك الشيخ الاميني في موسوعته ، وأن الشيخ الخليعي جمال الدين بن عبد العزيز وهو من شعراء القرن التاسع له ديوان شعر في الامام الحسين « ع » ، واني وقفت على ديوان للشيخ حسن الدمستاني من شعراء القرن الثالث عشركله في يوم كربلاء. وللشيخ محمد الشويكي من شعراء القرن الثاني عشر ديوان في مدائح النبي وآله ، وآخر في مراثيهم اسماه ( مسيل العبرات ) يحتوى على خمسين قصيدة في اوزان مختلفة وبين ايدينا كتاب ( المنتخب ) للشيخ محي الدين الطريحي المتوفي في القرن الثاني عشر وفيه عشرات القصائد ولا يعلم قائلها ومثله مئات المقاتل التي تروي قصة الحسين عليه السلام وتثبت شواهد من الشعر الذي قيل في رثائه وبين ايدينا مجاميع خطية في المكتبات العامة والخاصة وفيها المئات من القصائد الحسينية ولم يذكر اسم ناظمها وقائلها.
وهكذا كانت ثورة الحسين غطت بسناها المشارق والمغارب واستخدمت العقول والأفكار فهي نور يتوهج في قلوب المسلمين فيندفع الى افواههم مدحا ورثاء ، وهي انشودة العز في فم الاجيال تهز القلوب وتطربها وتحيي النفوس بالعزائم الحية ، ذلك لأن هدف الحسين ما كان هدفا خاصا حتى تختص به فئة
صفحة ١٨
دون فئة او يقتصر على طائفة دون طائفة ، بل كان هدفا عالميا فعلى كل ذي شعور حي ان يحتفل بذكراه ، قال الفيلسوف جبران خليل جبران : لم أجد انسانا كالحسين سجل مجد البشرية بدمائه ، وقال الزعيم الهندي غاندي. تعلمت من الحسين ان أكون مظلوما حتى انتصر.
قال عبد الحسيب طه في ( ادب الشيعة ) والواقع أن قتل الحسين على هذه الصورة الغادرة والحسين هو من هو دينا ومكانة بين المسلمين لابد أن يلهب المشاعر ، ويرهف الأحاسيس ويطلق الألسن ، ويترك في النفس الإنسانية اثرا حزينا داميا ، ويجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.
وهال الناس هذا الحادث الجلل حتى الأمويين انفسهم فأقض المضاجع واذهل العقول وارتسم في الأذهان ، وصار شغل الجماهير وحديث النوادي.
تجاوبت الدنيا عليك مآتما
نواعيك فيها للقيامة تهتف
فما تجد مسلما الا وتجيش نفسه لذلك الدم المهدور وكأنه هو الموتور أجل فلا تختص بذلك فئة دون فئة ولا طائفة دون طائفة وكأن الشاعر الذي يقول :
حب آل النبي خالط قلبي
كاختلاط الضيا بماء العيون
إنما يترجم عن عاطفة كل مسلم ، وهل التشيع إلا حب آل محمد ، ومن هذا الذي لايحب آل بيت رسول الله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
ملامك في آل النبي فانهم
أحباي ما داموا وأهل تقاة
قال النبهاني في ( الشرف المؤبد لآل محمد ) ص 99 روى السبكي في طبقاته بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي صاحب الامام الشافعي قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى فلم ينزل واديا ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول :
صفحة ١٩
بل صرح بشعره ان محبة أهل البيت من فرائض الدين فقال :
يا اهل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله في القرآن انزله
وقال ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) ص 101 وللشيخ شمس الدين ابن العربي قوله :
رأيت ولائي آل طه فريضة
على رغم أهل البعد يورثني القربى
هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الاسلام ، ظاهره عواطف اسى عميقة على ما أصاب اهل هذا البيت من كوارث وما اعتورهم من نكبات في مختلف الأوطان والعصور الاسلامية مما جعل حديثه شجى كل نفس ولوعة كل قلب.
ان المبالغة في التنكيل بهم أظهرتهم مظهر المظلومين المعتدى عليهم ، فكان العطف عليهم أعم والتأثر لمصابهم اوجع ، هذه العواطف غير المشوبة ولا المصطنعة اضفت على الشعر الشيعي كله لونا حزينا باكيا ، تحته جيشان : نفسي ثائر ذلك لدمهم المطلول ، وهذا لحقهم الممطول ، وبين هذا وذاك فخر يفرع السماء بروقيه ، ومجد يطاول الأجيال ، يقول محمد بن هاني الأندلسي في قصيدة له :
غدوا ناكسي ابصارهم عن خليفة
عليم بسر الله غير معلم
صفحة ٢٠
* * *
بكم عز ما بين البقيع ويثرب
ونسك ما بين الحطيم وزمزم
ماعرف التاريخ من أول الناس حتى يومهم هذا أن شخصا قيل فيه من الشعر والنثر كالحسين بن علي بن ابي طالب فقد رثاه كل عصر وكل جيل بكل لسان في جميع الازمان ووجد الشيعة مجالا لبث احزانهم ومتنفسا لآلامهم من طريق رثاء الحسين سيما وهذه الفرقة محاربة في كل الحكومات وفي جميع الادوار ومما ساعد على ذلك أن فاجعة الطف هي الفاجعة الوحيدة في التاريخ بفواجعها وفوادحها فتميزوا بالرثاء وابدعوا فيه دون باقي ضروب الشعر فاجادوا تصويره وتنميقه.
وكان السبب الكبير الذي دفع بالشيعة لهذا الاكثار من الشعر هو حث ائمتهم لهم على ذلك وما اعد الله لهم من الثواب تجاه هذه النصرة قال الامام الصادق عليه السلام :
من قال فينا بيتا من الشعر بنى الله له بيتا في الجنة (1).
وقال عليه السلام : من قال في الحسين شعرا فبكى وأبكى ، غفر الله له ، ووجبت له الجنة.
ثم احتفاء اهل البيت بمكانة الشاعر وتقديره وتقديم الشكر على نصرته لهم
صفحة ٢١
والدعاء له بأجمل الدعاء وألطفه كما جاء من دعائهم للكميت ، ودعبل ، والحميري واضرابهم في تلك العصور التي كمت الافواه وغلت الايدي عن نصرة اهل البيت ولم يعد يجسر احد من الشعراء على المجاهرة بثراء الحسين عليه السلام لشدة الضغط الاموي الا الشاذ الذي ينظم البيت والبيتين ينطلق بهما لسانه ، وتندفع بهما عاطفته وكذا الحال في الدور العباسي.
مضى على الذكريات الحسينية ردح من الزمن وهي لاتقام الا تحت ستار الخفاء في زوايا البيوت وبتمام التحفظ والاتقاء حذار ان تشعر بهم السلطة الزمنية.
قال ابو الفرج الاصبهاني قي مقاتل الطالبيين : كانت الشعراء لاتقدم على رثاء الحسين عليه السلام مخافة من بني امية وخشية منهم.
وفي تاريخ ابن الاثير عندما اورد قصيدة اعشى همدان التي رثى بها التوابين الذين طلبوا بثار الحسين التي منها :
فساروا وهم مابين ملتمس التقى
وآخر مما جر بالامس تائب
قال : وهي مما يكتم في ذلك الزمان. (1)
وقال ابو الفرج في مقاتل الطالبيين : قد رثى الحسين بن علي (ع) جماعة من
صفحة ٢٢
متأخري الشعراء استغنى عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الاطالة واما ماتقدم فما وقع الينا شيء رثى به ، وكانت الشعراء لاتقدم على ذلك مخافة من بني امية وخشية منهم انتهى.
وقال الشيخ عباس القمي في ( الكنى والالقاب ) راويا عن معجم الشعراء للمرزباني ان عوف بن عبد الله الازدي كان ممن شهد مع علي بن ابي طالب في صفين له قصيدة طويلة رثى بها الحسين ، وكانت هذه المرثية تخبأ أيام بني امية وانما خرجت بعد كذا ، قال ابن الكلبي منها :
ونحن سمونا لابن هند بجحفل
كرجل الدبا يزجي اليه الدواهيا
اقول وأول القصيدة :
صفحة ٢٣
وستذكر في ترجمته.
من اجل ذلك كان للمجاهر بفضل اهل البيت قسط كبير عندهم ، قال الامام الباقر عليه السلام للكميت لما انشده قصيدته : من لقلب متيم مستهام. لا تزال مؤيدا بروح القدس (1) واستأذن الكميت على الصادق عليه السلام في ايام التشريق ينشده قصيدته ، فكبر على الامام ان يتذاكروا الشعر في الايام العظام ، ولما قال له الكميت انها فيكم ، أنس ابو عبدالله عليه السلام لان نصرتهم نصرة لله ثم دعا بعض اهله فقرب ، ثم انشده الكميت فكثر البكاء ولما اتى على قوله :
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم
فيا آخرا اسدى له الغي أول
رفع الصادق يديه وقال : اللهم اغفر للكميت ما قدم وأخر وما اسر وأعلن واعطه حتى يرضى (2).
وهكذا فقد صبغت حادثة الامام الحسين عليه السلام ، ولا تزال تصبغ ادب الشيعة بالحزن العميق والرثاء المؤلم موشحا بالدموع واستدرار البكاء حتى ظهر ذلك على غنائهم وشكواهم من احبابهم وعتابهم لأصدقائهم.
وبالوقت الذي نقرأ في شعرهم اللوعة والمضاضة نحس بالأستنهاض والثورة فهي نفوس شاعرة متوثبة صارخة بوجه الظلم والطغيان والفساد والاستبداد منددة بالولاة الجائرين والظلمة المستهترين ، واليك نموذجا من ذلك :
صفحة ٢٤
هذه أبيات من مطلع قصيدة للسيد حيدر الحلي لا تقل ابياتها عن السبعين بيتا وهي على هذا اللون من الاستنهاض للهاشميين وشيعتهم وحتى يقول فيها والخطاب للحجة المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم :
ما خلت تقعد حتى تستثار لهم
وأنت أنت وهم فيما جنوه هم
ويلتفت الى بني هاشم فيقول :
يا غاديا بمطايا العزم حملها
هما تضيق به الأضلاع والحزم
صفحة ٢٥