[chapter 3]
الباب الثالث فيما ينبغى للطبيب أن يتوقاه ويحذره
وينبغى للطبيب مع ما قد تقدم به القول من التحذيرات له، والوصايا فيما يصلح نفسه وجسمه، أن يحذر أشياء أخر كثيرة فى حفظ الأصحاء، وفى معالجة المرضى، نحن نذكر منها هاهنا ما تهيأ، ليستدل به على ما لم نذكره.
فأول ما ينبغى للطبيب أن يحذره، وعليه الاحتراس منه، هو ألا يدبر أحدا فى حفظ صحة، أو فى معالجة مرض، أو يختبر عقل من يريد تدبيره، وعقل من يخدمه، وبعد ذلك 〈فعليه ب〉إصلاح ما يوافقه فى تدبيره، ثم حينئذ بأخذ فى تدبيره. وإلا فالأصلح له وللمريض، هو ألا يدبره، فيسوق إلى المريض، وإلى نفسه، ضروبا من المكاره، ويكون قد جهل فى ذلك جهلا يصعب عليه تلافيه. وذلك لمخالفة قول الجليل بقراط حين قال: وقد ينبغى لك ألا تقتصر على توخى فعل ما ينبغى، دون أن يكون المريض، ومن يحضره كذلك، والأشياء التى من خارج. فإن بقراط قد أتى فى هذه الوصية، لمن تدبرها، على جل الوصايا التى ينبغى أن يستوصى بها الطبيب، ويحذرها، من أمر المريض فى نفسه، وفى أمر خدمه وعواده، وذلك بقوله «ومن يحضره». وأما قوله «الأشياء التى من خارج»، فإنه يفهم منه أمر موضعه الذى يسكنه، وهوائه المحيط به، وأدويته، وأغذيته، وأنواع تقديرها، وإصلاحها، وجميع ما تدبر به المريض من استحمام، ودلك، ودهن، ورياضة، وأشباه ذلك من العلاج، والتدابير التى — إن استعملها الطبيب فى غير موضعها، وبغير المقدار الذى يحتاج إليه بها — ضر المريض، ولم ينفعه، وكان بذلك قد ترك موعظة بقراط المقدم ذكرها، والأخرى التى قالها فى المقالة الأولى من أبيديميا، وهو قوله، قال: وينبغى أن تلزم نفسك سنتين، أحدهما أن تنفع المريض، والأخرى ألا تضره.
ولأن جالينوس قد ذكر فى تفسيره لهذا الفصل قولا يليق بما نحن بسبيله، وينفع اقتصاصه هاهنا ما نفعله، فلذلك أرى أن أتلوه إليك، فاستمعه، وتدبره، بغير ضجر! قال جالينوس: وينبغى للطبيب أن لا يتبع إرادة المريض، إذا لم تكن موافقة لصلاحه، ولا ينبغى أن يحمله على ذلك رهبة منه، ولا رغبة فى ماله، بل من الله يجب أن يرهب، وإليه ينبغى أن يرغب.
صفحة ٨٧