وينبغى أن يجزئ زمان أعماله تجزئة يحسبها. ومثال ذلك أن أول الأفعال التى ينبغى للعاقل أن يفعلها — بعد قيامه من نومه، ونظافة جسمه وحواسه، على ما تقدم به القول — هو الصلاة. فإن الشكر للمنعم، والإقرار له بالوحدانية، والخشوع بين يديه — إذ هو العلة لكل خير، والقادر على كل فعال — من الواجب عقلا وشرعا. وبالتنصل، والإقلاع عن العيوب، مع نقاء القلوب، يمحص الرب الذنوب، ويجيب الدعوات، ويوصل إلى كل محبوب. فلذلك وأمثاله ينبغى أن يكون أول الأفعال الصلاة، وذلك يكون فى الجزء الأخير من الليل. ثم يجب أن ينعطف من صلاته إلى قراءة جزء من كتب شرعه، إذ هو الآمر له بالخيرات، والباعث له على الصالحات. ثم يعدل إلى قراءة ما قد رتبه له من كتب الطب، حسب ترتيب القدماء لذلك.
فإذا توجب له الخروج إلى مرضاه، عاد فصلى صلاة الصبح النهارية، وسأل الله تبارك وتعالى أن ينجح سعيه، وأن يشفى المرضى على يديه، وخرج بنية صادقة إلى مرضاه، الذين قد نالتهم أنواع المكاره، وعيونهم ساهرة من عظم البلاء، فى حال ما كان هو نائما معافيا، فيحمد الله على ما وهبهه له كثيرا، ويسأله المعونة على برئهم. فإذا وافى المريض، وسأله عن حاله، وعرف أخباره، طيب نفسه، ووعده بالبرء والسلامة. فإن يكن المريض، أو من يخدمه، يعون ويفهمون، وصف أدويته وأغذيته، بل أثبتها لهم، فإن ذلك أسلم له، ولهم. وإن لم يكن 〈هناك〉 من يعى، تولى هو إصلاح ما يحتاج إليه بيده. فإن لم يتهيأ له ذلك، لم يصف له شيئا، لأن سكوته عن وصفه لمن لا يعى، ولا يؤمن منه الخطأ، هو أصلح للمريض، وللطبيب.
وبعد أن يستوفى العيادة لمرضاه، فيجب أن يعود إلى مجلسه المرسوم له، فيجلس لمن يجيئه من المرضى، ويحسن المساءلة. ولم أذكر هاهنا كيف ينبغى أن تكون مساءلته للمرضى، ولا كيف ينبغى أن يكون المرضى، ولا كيف ينبغى أن يكون خدمهم، لأنى قد أفردت لكل معنى من ذلك بابا وسمته به، يأتى فيما بعد، بعون الله. ولكن على الطبيب أن يوسع خلقه، ويحتمل من المرضى ضجرهم، وأى كلام، يسمعه منهم بغير تحصيل، لا يحفل به. ولكن عليه أن يحصل من جميع ما يسمعه ما ينتفع به فى برء المريض، وما سوى ذلك، لا يفكر به.
وليس ينبغى للطبيب أن يمنع المريض من كثرة ما يشكيه، فيظهر ضجرا من ذلك، لأنه ربما أورد فى كلامه علامات يستدل منها الطبيب على ما ينتفع به، ويستشهد بها على صحة مرضه. وينبغى للطبيب أن يكون فيه رحمة، ولا يتم ذلك إلا بتقوى وخوف من الله جل وعز. وإذا كان الطبيب كذلك لم يسمع منه إلا بالصدق، ولم يفعل إلا الخير مع سائر الناس كافة.
صفحة ٨٥