القول فى الاستفراغ والاحتقان
نظر الطبيب فى أمر الاستفراغ والاحتقان يجب أن يكون على وجهين: أحدهما للحاجة إليهما فى أمر حفظ صحة الأصحاء، والثانى فى أمر معالجة المرضى. فالاستفراغ والاحتقان فى حال الصحة هما طبيعيان، وفى حال المرض هما عرضيان. وذلك أن البارئ تعالى جعل للأجسام المغتذية النامية قوة تجذب إليها ما يوافقها من الأغذية، وقوة أخرى تحفظ عليها ما انجذب إليها، إلى أن ينهضم. وبعد ذلك تغتذى منه بما وافقها، وما فضل مما لا يوافقها، يندفع عنها بقوة أخرى خلقت فى الأعضاء، لدفع ذلك عنها. فإذا كان الجسم صحيحا، فعلت هذه القوى الأربع أفعالها فى الأوقات التى تخصها، وإذا ضعفت أفعال هذه القوى، أو لم تفعل أفعالها البتة، أو فسدت، أوتأخر فعل بعضها عن وقته، دل ذلك على مرض بالجسم. فلذلك يجب على الطبيب أن يعنى بمعرفة الاستفراغ والاحتقان فى تدبير جسم الإنسان، إذ كان غذاء الجسم ليس هو جميع ما يأكل الإنسان ويشربه، لكن اغتذاء أجسامنا إنما هو بالذى يصير شبيها بها فقط، فأما ما لم يكن فيه المشابهة، فإنما يبقى فضلا، 〈لا〉 ينتفع ببقائه فى الأعضاء المغتذية.
فلذلك خلق البارئ جل وعز فى كل جسم مغتذ منافذ وطرقا تبرز منها تلك الفضلات، تدفعها القوة الدافعة لها عن المغتذى. وذلك كمنفذ البراز، ومنفذ البول، ومنافذ العرق، والأثقاب التى يبرز منها فضل عضو عضو، كالفم، والمنخرين، والأذنين، وبالجملة سائر الأثقاب التى أعدت لذلك.
وإذا كان الأمر على ما قلنا، فقد يلزم الطبيب العناية بمعرفة نوع ما يستفرغ من البدن فى حالة الصحة. فإن وجده يبرز عن البدن بالمقدار الذى يجب، وفى الوقت الذى ينبغى أن يبرز فيه، وهو الوقت الذى قدرته الطبيعة للبروز، اكتفى بفعلها، وكف عن معاونتها. وإن وجد ما يبرز من تلك الفضلات قد خرج عن الأمر الطبيعى، وجب عليه أن يرد ما خرج عن الأمر الطبيعى إلى مجراه الطبيعى، إذ كان الطبيب خادما للطبيعة.
صفحة ٥٠