وإذا اعتقد العاقل فى الطبيب الفاضل أنه من خواص البارئ تبارك وتعالى، فقد وجب عليه إكرامه فى الظاهر، والمحبة له فى الباطن، وإشراكه فى نعمه، والمسارعة لقضاء حوائجه، إذ كان بصلاح حالاته، تصفو نفسه، وتصح له أفكاره، ويتوفر على درس علم الطب، ويواظب على خدمتك فى صحتك، ومرضك.
ولأنك، أيها العاقل من الناس، دائما تحتاج إلى حفظ صحتك، إذ كانت الأسباب المغيرة لها دائمة التأثير فيك، وأنت أيضا غير آمن من حدوث الأمراض بك، فأنت دائما تحتاج إلى من يعرفك كيف تحفظ صحتك، وبماذا تحفظها، وكيف تتدبر فى مرضك، وبماذا تعالجه، فإذا واجب ضرورة عليك أن تجعل أفضل أطباء بلدك لك، وأنك لتوجب على نفسك بذلك قبول أوامره، و〈اتخاذه〉 صديقا، لتلزم نفسك الحياء منه، والإنصاف له، و〈تتخذه〉 معلما، لتستفيد منه، وتحفظ عنه آداب صناعة الطب، والنافع لك من علمها، وتوجب عليه لك حقا، بخص التلميذ من معلمه 〈الذى〉 صلته أعظم من وصلة النسب والصداقة، وهى وصلة العلم والأدب اللذين بهما يصير الإنسان بالحقيقة إنسانا.
واعلم أنه كما تجد الحسن التدبير بمنزله، يعد له القوت، والكسوة، ويصلح المسكن له، ولعائلته، قبل موافاة الشتاء، فكذلك ترى أيضا ملاح السفينة، يعد مصالحها، قبل موافاة الريح، والشدة، لتكون مصالحه، وما به يرجو الخلاص من الشدة، عتيدا عنده، فكذلك أعد لنفسك طبيبا موافقا، واحفظه على نفسك، بحسن العشرة، والسيرة، والكرم، ليكون لك عدة لأوقات، هى أصعب، وأخطر، من شدائد البحر، والشتاء! وفيما ذكرناه كفاية لذوى الألباب.
صفحة ١٠٩