الأسلوب خاصة اجتماعية في الأكثر، وهو خاصة شخصية في الأقل، ولكن هذا الأقل هو الذي يميز بين كاتب وآخر.
ذلك أن زي الكتابة لا يختلف عن زي اللباس، فنحن نلبس كما يطالبنا المجتمع على وجه عام، ولكن لكل منا طابعه الخاص، وحريته في اختيار اللون والنسيج والقياس، وإن يكن كل هذا في الحدود الاجتماعية.
ثم المجتمع يشمل طوائف وطبقات تنتسب كل منها إلى صناعة أو حرفة، وهي، بهذا الانتساب، يشترك أفرادها في زي معين من اللباس، وكذلك في زي معين من اللغة أو أسلوب الكلام.
ومن السهل جدا أن نميز بين أسلوب التعبير عند العمال الذين يعملون في المصانع، وكذلك من السهل أن نميز بين أسلوب المحامين وبين أسلوب المهندسين.
وعندما نقول إن لكل طائفة أو طبقة أسلوبها الخاص في التعبير، إنما نقول إن لكل منها نظرة اجتماعية خاصة وعواطف وأفكارا خاصة واهتمامات خاصة.
وقد يقال إن الكتاب طائفة، وإنها يجب لذلك أن يكون لها أسلوب خاص ينبع من صناعتها، وهي الكتابة.
وهي إلى حد ما كذلك، ولكن الأسلوب الخاص هنا يتعين بحدود أخرى غير الانتساب إلى طائفة الكتابة؛ ذلك أن الكاتب ينتمي إلى طبقة معينة من الشعب دون الطبقات الأخرى، فهو يستلهم هذه الطبقة، فيحس إحساسها ويأخذ بعواطفها ويهدف إلى أهدافها، ويتأثر أسلوبه بكل ذلك.
وقد يكون هذا الانتساب بالفكرة والعاطفة وليس بالصناعة والحرفة، كالكاتب ينشأ في طبقة متوسطة أو ثرية ممتازة، ثم ينضوي إلى لواء الشعب، لا لأنه هو قد عاش عيشة الفقر التي يعيشها الشعب، ولكن لأنه نشأ على مركبات عائلية أو اجتماعية حملته على التأمل ثم على كراهة الظلم، فهو متمرد في عائلته ثم متمرد في مجتمعه.
اعتبر الطفل يكون أصغر إخوته، كلهم أقوى منه، وكلهم يسبه أو يضربه، أو اعتبر هذا الطفل يجد أبا قاسيا أو أخا أكبر متوحشا، فهو ثائر منذ طفولته، فإذا كبر نقل هذه الثورة العائلية إلى مجتمعه، فإذا وجد الفقراء المظلومين انضم إليهم وكافح معهم ملكا فاسقا أو وزيرا ماكرا أو حزبا محتالا.
فهو يطلب الحريات والحقوق للفقراء والمضطهدين؛ لأنه هو كان قد اضطهد في طفولته، ولذلك طابق بين إحساسه وإحساسهم.
صفحة غير معروفة