ومن هنا المبدأ الأول في «فلسفة» أو أدب بول سارتر، وهو الإلحاد، ومع أن هذا المؤلف يدعونا إلى التحرر من الديانات الغيبية، ومن المجتمع، فإنه يعترف بأننا في هذه الحالة، أي بعد التحرر، سنعيش في ظلماء عمياء بلا بوصلة وبلا نجوم، وعلينا عندئذ أن نشق طريقنا وحدنا دون أن ننتظر أية معونة، ودون أن نستند إلى أي سلطة سوى ضميرنا.
نزعتان في الأدب والفلسفة
يكابد العالم هذه الأيام ألوانا من الشقاق والخلاف في اتجاهات السياسة وعقائد الاجتماع ونزعات الأدب والفلسفة، تبعث على التحزب والتعصب، بل لعلها تبعث أيضا على الحرب.
والأديب، حين ينزع النزعة الفلسفية في أدبه، يكبر خطره وأثره؛ لأنه لا يؤلف هنا للخاصة من المفكرين الذين يتحملون العبارة المعقدة والمعنى الغامض، وإنما هو يكتب لسواد الشعب الذي يجد فيه الإيحاء والإغراء بما يؤلف من قصص أو ينظم من أشعار في أسلوب ميسر وكلمات عذبة ملهمة، وعندئذ ترسب آراؤه وأهواؤه في نفوس الشعب فتعود نزعات للخير أو نزعات للشر.
ولكن ما نظنه ابتكارا في الأديب إنما هو في النهاية ما تبلور في نفسه من المجتمع الذي يعيش فيه، حتى ولو كان ما يخرج به على المجتمع يناقض وجوده، أي وجود هذا المجتمع، ولا يعدو الأديب أن يكون موسيقيا أو مغنيا حتى ولو لم يعرف الموسيقا أو الغناء، فهو يتقبل ويتلقى من المجتمع الإحساسات والعواطف التي تتبلور في نفسه، فيخرجها فنا موضحا يعرفه المجتمع ويلتذه؛ لأنه يجد فيه التعبير عما كان في نفسه غامضا غير موضح.
ولهذا أعتقد أن أعظم ما سوف يدل على التغيير في مجتمعنا أن تتغير أغانيه وموسيقاه وأدبه.
وإني ذاكر هنا أديبين هما نقيضان، تبلورت في كل منهما نزعة حتى كادت تبلغ الجنون، بل بلغته في أحدهما الذي مات في المارستان، في حين أن الآخر قد انتابه الجنون في خفة فكان يشطح ثم يفيق.
أعني بهما «المركيز دوساد» الذي مات في سنة 1814، و«جان جاك روسو» الذي مات في سنة 1778.
كلاهما فرنسي، وكان كل منهما يعرف الآخر؛ فقد التقيا في سويسرا، وقد قرأ ثانيهما كل ما كتبه أولهما، ولا بد أن روسو قد عرف عن حياة دوساد الكثير الذي اشمأز منه، ولكنه لم يكترث للرد عليه.
ومع أن الهوة الزمنية التي تفصل بين الأدب الحديث وأدب هذين الاثنين كبيرة، فإن إيحاءهما لا يزال قويا عميقا، حتى لتكاد، حين تقرأ نيتشه أو سارتر مثلا، أن تحس بإلهام المركيز دوساد: أنا وحدي. أنا محور الكون. إني لأفخر بأنانيتي. مذهبي هو أن يسعى الإنسان منفردا.
صفحة غير معروفة