وأفهم الفرق بين الأدب القديم والأدب العصري على أن الأول استمتاعي، أقرؤه كي ألتذ وأنا ملك أو أمير أو إقطاعي؛ أي أقرأ أبا نواس للذة ولا أجد في ذلك ما يصدم ضميري الأدبي، ولكن الأدب العصري لم يعد أدب الملوك أو الأمراء أو الإقطاعيين، وإنما هو أدب الملايين من الشعوب، وهو إذن أدب الشعب، أدب الكفاح لتعميم الخير والمساواة بين الجنسين، وتحقيق العاطفة الإنسانية بنظام اشتراكي ومقاومة الظلم والاستبداد والحرمان.
أدب أبي نواس، الذي ألف عنه وله نحو ثمانية أو عشرة مجلدات في السنوات العشر الأخيرة، هو أدب فاروق وحاشيته، أدب اللذة والنكتة والكلمة الرائعة، مع المعنى الدنس أو المعنى الزري، فنضحك أو نتغامز، في إحساس الفسق.
ولكن الأدب العصري هو أدب الكفاح الذي يثير غضبنا على الظلم، ظلم الحاكمين وظلم التقاليد؛ أي أنه يدعونا إلى التحرير، وإلى الاعتماد على الحقائق الجديدة دون العقائد القديمة.
الأدب العصري يطالبنا بألا نجعل مراسينا الاجتماعية وفق التقاليد في الألف السنة الماضية، وإنما وفق ما نستعد له من نظم في الألف السنة القادمة.
الأدب القديم ورد نتشممه، ولذة عابرة، ومزاح وترف ذهني، ولكن الأدب الجديد هم وقلق، ودراسة، وبرنامج الحياة، وتوسع في الوجدان، وارتقاء لشخصي ومجتمعي، وزيادة في الفهم والإنسانية.
وإذن، من هو الأديب العظيم الذي يجب أن نقرأ مؤلفاته؟
هو الأديب الذي يدل؛ أي أن له دلالة.
وأعظم ما يجعله يدل أن تكون له رسالة اجتماعية أو إنسانية.
ذلك أنه لن تكون له رسالة إلا إذا كان قد درس الإنسان في جملته.
بل إن رسالة الأديب هي الفرق الأساسي الذي يفصل بين الأدباء القدامى والأدباء العصريين، وليس هذا في أدباء العرب وحدهم، بل أيضا في أدباء أوروبا.
صفحة غير معروفة